السلطان يافووز سليم الاول: القاطع الحاد
ممدوح إسماعيل
كتب سليم الأول تاريخ جديد ومجد لم يكن في الحسبان في خلال 9 سنوات كان على ظهر خيله مجاهدًا فحطم دولة الصفويين وأنهى تغول البرتغاليين في البحر الأحمر وأنهى دولة المماليك كيف، ولماذا؟ في المقال القادم إن شاء الله.
- التصنيفات: التصنيف العام - التاريخ الإسلامي -
رؤيته الصحيحة في الصفويين:
لماذا قام بالإنقلاب على أبيه؟
درس في تملك القوة أكبر أدوات الحكم، صاحب رؤية استرتيجية للدولة الإسلامية... من العناوين ننتقل إلى أصل الحكاية.
قصة وتاريخ يستحق الدراسة والتعلم من سليم الأول ابن السلطان بايزيد الثاني وحفيد السلطان العظيم محمد الفاتح، وتاسع السلاطين العثمانيين.
ولد عام 1470م وتوفى عام 1520م عاش 50عام سطر فيها ملاحم تعجز الدول على فعلها في 100عام، وهو فعلها في 9 أعوام فقط هى فترة حكمه.
السلطان بايزيد الثاني والد سليم أشتهر بالصوفي واللين فلم يكن كوالده محمد الفاتح ولكنه كان مشهورًا بالعدل والدين.
بداية الإضطراب والظهور القوي لسليم الأول يرصدها بعض المؤرخين بتملله من ولاية طرابزون وسعى سليم للتعيين أميرًا في ولاية قريبة من أسطنبول رغم تعيين أبنه الشاب الأمير سليمان واليًا على "كافا" من بلاد القرم، الآن سليم أتخذ من ذلك ذريعة للإعتراض وأرسل إلى أبيه يطلب منه تعيينه في إحدى ولايات أوروبا، القريبة من اسلامبول العاصمة.
وهنا يتساءل البعض لماذا أثار سليم تلك المشكلة؟ الحقيقة أن سليم رجل عسكرى كان يدرك أهمية قربه من مقر الحكم بسبب مرض والده وتطلعه للحكم فيكون قريب؛ لكن لما يتطلع للحكم؟ هنا النقطة الاستراتجية التي توضح ما حدث كله من سليم مع والده وأشقاؤه حيث أدرك سليم خطورة توسعات الشاه إسماعيل الصفوي التي وصلت حتى الأناضول وهو مالم يدركه السلطان.
وحدث معه ما ترك أثر في نفسه وعزم على تولي الحكم في سنة 912-1507 هاجم الصفويون إمارة ذي القدر، وهم أخوال الأمير سليم فآواهم إليه في طرابزون، ثم ثأر لهم بأن سار شرقاً من طرابزون فأحتل كل المناطق التي كان أمراؤها يخضعون للشاه، وفي سنة 1510 أعد الشاه جيشاً قاده أخوه إبراهيم لإسترجاع هذه الأراضي، فسار إليه سليم على عجل، وهزمه في معركة قرب أرزبيجان وأسر أخا الشاه، وكان للمعركة صدى كبير بين العامة ونظمت فيها أغنية ذاعت كثيراً في حينها تقول: سِرْ سلطاني سِرْ، فاليوم يومك.
ولجأ الشاه إسماعيل للتحايل وشكا إلى السلطان بايزيد تعدي أبنه على هذه المناطق، وأرسل السلطان بايزيد رسالة لأبنه سليم يأمره فيها بإطلاق سراح أخو الشاه، وإخلاء بعض المناطق التي أستولى عليها وعبثا حاول سليم إقناع السلطان بخطر الصفويين وما فعلوه، وهو الأمر ترك أثر سيء في نفسه خاصة أن أتباع الصفويين من التركمان الذين أتبعوا إسماعيل الصفوى أثاروا إضطرابات في الأناضول والأخطر أن أخبار المذابح التي كانت تتم للمسلمين السنة للتحول للتشيع ونبش قبور شيوخ أهل السنة في بغداد كالإمام أبو حنيفة وصلت إلى سمع سليم الأول فاشتد غضبه.
لذلك قرر سليم أن والده لا يدرك تماما خطر الصفويين وعزم أنه لابد أن يحكم لقطع دابر الصفويين بخلاف أن قرار السلطان أدى لإستياء عارم وسط الجيش والعامة وساهم في زيادة الشقة بينه، وبين أبنه الأمير سليم الذى زاد تعلق الجيش به.
في ذات الوقت خشي "أحمد" أكبر أولاد السلطان من قوة سليم وأتباعه وأن سليمًا يخطط لحكم السلطنة، فسار إلى اسلامبول بجنوده ليثبت إمتلاكه لقدرة عسكرية أمام والده وأشقاءه على حد سواء.
لكن سليم لم يتركه بل تحرك مستعرضا قوته العسكرية إلى تراقيا وعصى والده جهارًا، وسار بجيش كبير جمعه من قبائل التتار إلى بلاد الروملّي، فأرسل والده جيشًا له كى يتراجع لكنه لما وجد تصميمه قبل تعيينه، وعينه واليًا على مدينتيّ "سمندريه" و"ڤيدن" في الصرب، وأرسل لإبنه "أحمد" قرار بعدم دخوا العاصمة منعا لإضطراب الحكم.
أما الأخ الثالث "كركود" أراد إظهار قدرته بعد ما سمع بنجاح أخيه سليم في مسعاه فأستلم إدارة ولاية صاروخان بدون قرار من أبيه ليكون أيضًا قريبًا من مقر الحكم عند الحاجة.
هذا الصراع بين الأشقاء سببه أن السلطان عصفت بصحته الأمراض وقد قارب السبعين وأن ولاية العهد لم تحسم رغم أن أحمد الأقرب لأنه صاحب شبكة علاقات قوية مع الأمراء، والوزراء لكن سليم رغم عدم إمتلاكه تلك الورقة لكنه كان يملك الورقة الأهم والأولى وهي شخصيته العسكرية الفذة والقوة العسكرية للإنكشارية الجيش الذي كان يرى فيه القيادة المطلوبة ولا يراها في أشقاؤه.
أراد السلطان بايزيد أن يحسم الأمر في ولاية العهد دعا ديوانه للإنعقاد والتشاور في مسألة تنصيب أحد الأمراء خلفًا له، فأستقر الرأي على تنصيب الأمير "أحمد" سلطانًا، فغضب سليم ما أن وصله الخبر، وأعلن رفض قرار السلطان بولاية أحمد (حيث كان يرى نفسه أحق لقدرته العسكرية التي لا تتوفر في أشقاؤه وأن الوقت يحتاج قوة لمجابهة قوة الصفويين وكانت له رؤية وخطة لتوسع الدولة العثمانية التى لم تكن بخاطر اشقاؤه مطلقا.
قيل أن الإنكشارية قتلت الرسول الذي كان في طريقه لإبلاغ أحمد بالسلطنة وأبلغوا سليم الأول، فسار سليم إلى مدينة أدرنة وأستولى عليها وأعلن نفسه سلطانًا، فأرسل والده إليه جيشًا قوامه 40.000 رجل فهزمه في الثالث من أغسطس سنة 1511 وألجأه إلى الفرار ببلاد القرم.
وأرسل جيشًا آخر لمحاربة "كركود" بآسيا الصغرى، فهزمه أيضًا وفرّق جيشه، ومع شدة المرض على السلطان أراد حسم خلافته فكتب إلى "أحمد" يطلب منه المجيء إلى اسلامبول فورًا وتولّي مقاليد الحكم، فدخل المدينة في اليوم التالي وأعلن سلطانًا، ويُقال أن من أشار بضرورة تنصيب "أحمد" على العرش كان الصدر الأعظم "علي باشا".
ثار الإنكشارية في المدينة بعد أن تمّ إعلان تنصيب الأمير أحمد على العرش العثماني، ورفضوا الأعتراف به حاكمًا عليهم وطالبوا السلطان بايزيد بالعفو عن أبنه سليم لشدة تعلقهم به، وأعتقادهم بأنه هو الوحيد المؤهل لدرء الخطر الصفوي عن الدولة العثمانية، لاسيما وأن معلوماتهم أن شاه الصفويين، "إسماعيل الأول بن حيدر"، كان يناصر الأمير أحمد في نضاله للوصول إلى سدّة الحكم، فخاف الإنكشارية من أن يبدأ الصفويين بالتدخل في الشؤون التركية وينشروا المذهب الشيعي في البلاد كما فعلوا في إيران وأذربيجان، وكان سليمًا يشاطرهم هذا الخوف ويحمل كرهًا شديدًا للشاه بفعل دعمه لأخيه.
وبناءً على إلحاح الإنكشارية المصحوب بقوتهم في موازين الحكم، عفا السلطان عن أبنه سليم وسمح له بالعودة إلى ولايته، لكن سليم أستغل ذلك وقرر حسم الأمر وذهب إلى وألي القرم يستعين به ودار هذا الحوار الذى سجلته المصادر التاريخية:
قال سليم لحاكم القرم الأتي:
لم نأت إلى إسطنبول حباً في السلطنة، بل لكون والدنا مريضا ومسناً وكونه قد أحال جميع العمال للوزراء، وهم غير قادرين على دفع البلاء والأعداء؛ إن غايتنا هي حفظ وصيانة الدين والدولة غير أن بعض رجال الدولة بذروا بذور الشقاق بين والدي وبيني، ما العمل؟
لقد كان هذا قدرنا وإلا فلم يكن من المناسب لنا التوجه مع الجيش ضد والدنا، وإجتمع الإنكشارية مع سليم وقوته المتعددة، وتوجهوا بخطة ذكية إلى اسلامبول بسلاحهم وقوتهم وساروا حتى وصلوا إلى سراي السلطان وأحاطوا بها وطلبوا منه التنازل عن السلطان لولده سليم الأول فقبل وتنحّى عن العرش في يوم 25 أبريل سنة 1512م، الموافق في 8 صفر سنة 918هـ، وأعلن تولّى سليم مقاليد الحكم رسميًا في الثالث والعشرين من مايو من نفس السنة.
وبعد أن تنازل بايزيد عن الحكم، سافر للعزلة والتعبد ولكن، توفي في الطريق رحمه الله يوم 26 مايو سنة 1512م، ويدعي بعض المؤرخين كذبا أن سليم دس إليه السم خوفًا من رجوعه إلى منصة المُلك، وينفي ذلك ما جاء في رسالة بعث بها الأمير أحمد إلى سلطان المماليك أن والده توفي لأسباب طبيعية ويؤكدها أن الاب كان مريض.
بلاشك أستولى سليم على الحكم بتنازل من أبيه بايزيد الذي ترجحت أمامه قوة سليم وقدرته على الحكم وهي نقطة هامة في إمتلاك أدوات القوة وهي الجيش الذي وثق في قدرات سليم العسكرية وقدرته على الحكم وهنا نتوقف أن الحكم ليس شرطًا للشخص المثالي للحكم زعيم، خطيب مفوه، وشروط في ثقافته ودينه أو في وقتنا المعاصر يحمل دكتوراه، ولكن الأمثل الذي يمتلك أدوات قوة أكثر_ على تنوع تفصيلي _ وليس شرطا بما جرى عليه العرف سواء بالتسلسل في الحكم الملكي أو بالأنتخابات كما يتم الآن إنما الحكم في التاريخ البشري لمن يملك أدوات الحكم وأولها القوة العسكرية التي تفرض على الأخرين الإنصياع للحكم وإن كان المال ورضا الشعب من أدوات الحكم ولكن على مدار الزمان والتاريخ كانت إمتلاك القوة أهم أسباب الحكم أما رضا الشعب إن اصطدم بالقوة ينقهر على تفصيل كثير.
أعلن السلطان سليم الأول :
أقدم سليم بعد أن تُوّج سلطانًا على توزيع المكافآت على الإنكشارية لوقوفهم بجانبه،وهذه ثاني أدوات الحكم، المال الذي يقوي الولاء بل ويشتري الولاء وهو عرف تاريخي في الحكم.
لكن ما أن تولّى سليم مقاليد الحكم حتى أعلن أخاه أحمد العصيان ورفضه الخضوع له، ونصب نفسه حاكمًا على أنقرة، وأرسل أبنه "علاء الدين" فأحتل مدينة بورصة في 19 يونيو سنة 1512، ورأسل الوزير "مصطفى باشا" يخبره عن عزمه توطيد نفوذه وخلع أخيه ووعده بمنصب كبير إن نقل إليه جميع تحركات سليم ونواياه.
وحرصا على وحدة الدولة قام السلطان سليم بالتوجه بجيشه إلى إخوته حتى يستقر الحكم وعيّن أبنه سليمان حاكمًا للقسطنطينية، وسافر بجيوشه إلى آسيا الصغرى، فأقتفى أثر أخيه أحمد الذي هرب لوصول خبر قدومه إليه عن طريق الوزير "مصطفى باشا". لكن علم السلطان بهذه الخيانة فقتل الوزير شر قتلة جزاءً له وعبرة لغيره، وبعدها توجّه إلى ملاقاة كركود وجنوده في ولاية صاروخان ففر منه إلى الجبال، وبعد البحث عنه عدّة أسابيع قُبض عليه وقُتل.
أما أحمد فجمع جيشًا من محاربيه وقاتل الجنود العثمانية، فإنهزم وقُتل بالقرب من مدينة يكي شهر في يوم 24 أبريل سنة 1513م، ويبقى التساؤل أو الاتهام؟ أي كان لما قتل أشقاؤه؟
الإجابة الأولى: أن سليم عايش مرحلة مهمة حزينة ومؤلمة عاشها أبوه السلطان بايزيد الثاني مع شقيقه جيم الذي نازعه الحكم وسبب اضطرابات كثيرة عطلت فتوحات وجهاد ثم المصيبة التي تركت جرحًا رهيبًا في العثمانيين وهي هروب جيم الى رهبان كنيسة ردوس ثم إلى بابا الفاتيكان وأصبح ورقة مؤلمة في يد الصليبين حتى مات - ومن شدة ألم هذا الجرح أن سليمان القانوني كلف فرقة خاصة قتلت كل أولاد ونسل جيم حتى لا يقال أن نسل العثمانيين والفاتح فيهم من تنصر وأنتمى للصليبين فقتلوهم ولم يبقوا لهم أثر .
النقطة الثانية: أشقاؤه أعلنوا العصيان والحرب ولم يعلنوا الولاء كان لابد الحفاظ على وحدة الحكم والدولة من التشتت خاصة أن سليم كان لديه خطة استراتيجية لتوسع الدولة وله مقولة شهيرة أن سجادة الصوفي تسع اثنين ولكن الحكم لا يسع غير ملك واحد .
وبهذا استفرد سليم بالحكم واطمأن إلى جبهة داخليته وهي درس من دروس التاريخ في الحكم وأدواته.
عاد إلى مدينة أدرنة حيث كان بإنتظاره سفراء من قبل جمهورية البندقية ومملكة المجر ودوقيّة موسكو والسلطنة المملوكيّة، فأبرم مع جميعهم هدنة لمدة طويلة لأنه كان يرى وجود أعداء كثيرون وكانت المخاطر من البرتغال في حسبانه والمماليك وكانت خطته ورؤيته الأساسية في الجهاد لإعلاء دولة الإسلام متجهة إلى الشرق أولا بلاد فارس التي كانت دولة سنية وبالقتل البشع والإضطهاد تحولت إلى دولة شيعية أخذت في التوسع حتى وصلت الى حدود الدولة العثمانية وتغولت عليها.
ومن هنا يكتب سليم الأول تاريخ جديد ومجد لم يكن في الحسبان في خلال 9سنوات كان على ظهر خيله مجاهدًا فحطم دولة الصفويين وأنهى تغول البرتغاليين في البحر الأحمر وأنهى دولة المماليك كيف، ولماذا؟ في المقال القادم إن شاء الله.