المنافقون و الذين في قلوبهم مرض
أبو الهيثم محمد درويش
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب 12-14]
- التصنيفات: التفسير -
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا :
هذا دأب المنافقين وقت الشدائد و المحن , يظهرون ما خفي في صدورهم من البغض و الشك و الريب , فلا يثبت لهم إيمان و لا حتى مروءة.
ديدنهم المسارعة في الإسفار عن عدائهم المكبوت لله و كلماته و أوليائه و المسارعة في أحضان كل عدو و الانهزامية و التخاذل و الإرجاف و تخذيل أهل الإيمان و محاولة زرع الوهن في قلوبهم.
في غزوة الخندق و مع اشتداد المحنة و تكاتف الأعداء ظهرت مواقف المنافقين فمنهم من طالب أهل المدينة بالنكوص و الرجوع و منهم من ترك الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة بحجة أن بيوتهم عورة و ما قصدوا إلا الفرار من الزحف, و لو دخل عليهم الكفار لأطاعوهم على الكفر و لو حتى اغتصبوا منهم ديارهم دون مقاومة أو عزيمة.
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب 12-14]
قال السعدي في تفسيره :
وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة، لا يثبت إيمانه، وينظر بعقله القاصر، إلى الحالة القاصرة ويصدق ظنه.
{ {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ } } من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضًا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة: { {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} } يريدون { يا أهل المدينة } فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي.
{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ } أي: في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكانوا عسكروا دون الخندق، وخارج المدينة، { {فَارْجِعُوا} } إلى المدينة، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، ويأمرونهم بترك القتال، فهذه الطائفة، شر الطوائف وأضرها، وطائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن والجزع، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، وهم الذين قال اللّه فيهم: { {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} } أي: عليها الخطر، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، ونحن غُيَّبٌ عنها، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها، فنحرسها، وهم كذبة في ذلك.
{ {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ} } أي: ما قصدهم { {إِلَّا فِرَارًا} } ولكن جعلوا هذا الكلام، وسيلة وعذرًا. لهم فهؤلاء قل إيمانهم، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن.
{ { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} } المدينة { {مِنْ أَقْطَارِهَا } } أي: لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها -لا كان ذلك- { {ثُمَّ} } سئل هؤلاء { { الْفِتْنَة} } أي: الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين { {لَآتَوْهَا} } أي: لأعطوها مبادرين.
{ {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} } أي: ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن