مصر إلى أين ؟
منذ 2011-05-07
كانت الأحداث متتالية متسارعة، وكلها مفاجئة ومتغيرة.. فسكتنا حتى تنكشف، لم نسكت عن عي أو عجز، ولا عن خوف رغبة أو رهبة، وإنما سكتنا لزوما للمنهج....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
رب يسر وأعن وتمم بخير يا كريم
في أول ظهور ولقاء بعد الأحداث الماضية أحب أن أقول:
أنا أحبكم في الله
كانت الأحداث متتالية متسارعة، وكلها مفاجئة ومتغيرة.. فسكتنا حتى تنكشف، لم نسكت عن عي أو عجز، ولا عن خوف رغبة أو رهبة، وإنما سكتنا لزوما للمنهج.
إننا لا ننكر على من تكلم ولا على من اتخذ مواقف، فكل اجتهد وكل مأجور إن شاء الله، ونحن اجتهادنا قادنا إلى التزام هذا المنهج ولا شك أن لنا فيه سلف، فنسأل الله أن يؤلف بين القلوب وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
نحن أصحاب منهج نلتزمه ولا نحيد عنه: الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ولله در علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين كان يغبط سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ويقول: "لله در منزل نزله سعد بن أبي وقاص، وابن عمر؛ لئن كان خطأ إنه لصغير، وإن كان حسنا إنه لعظيم".
ثانيا: من أين وإلى أين؟
يأتي هذا المؤتمر في ظروف بالغة الدقة والأهمية؛ حيث تمر بلادنا بتحولات كبرى، ولقد باتت مصر اليوم تنتظر كلمة صادقة وهداية ناصحة فيما نزل بها من ملمات وخطوب ستؤثر ولا بد في مجريات الأمور، ليس في مصر فحسب فيما أظن بل في العالمين العربي والإسلامي على حد سواء.. فلذلك أقول: "دعونا نطوي الصفحة، ونفكر فيما سيأتي، من أين ننطلق وإلى أين نريد".
فأقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان:
المطلب الأول:
التأكيد على تحقيق التوحيد بجلاء في جميع المواقف، وذلك بتعلق القلب بالله وحده قبل سلوك الأسباب الشرعية، وتطهير القلب من التعلق بالأسباب والأشخاص، قال تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا . كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } [مريم: 81، 82]، لا تنس أخي الحبيب أنك عبد مطالب بالعبودية مع كل نفس؛ قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 162، 163]، فلا تنس الله واعلم يقينا أن كل شيء بقضاء وقدر، { إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ . وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ . وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ . وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ . وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 49، 53]، فالقدر لا يستجيب لأحد؛ إنما يخضع الناس للقدر، « وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ» [الأنعام: 18]، إنه في الأزمات والفتن والمحن يجب على المسلم أن يزداد تعلقه بالله، النظر إلى مراد الله منه، وألا ينسى الله، { نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التوبة: 67].
ثالثا: المنطلق في المرحلة القادمة أن نقول: إذا رمنا التغيير فإلى أين؟
إن كلمة ربعي بن عامر لا تزال في أنفس العاملين للنصر والتمكين: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".. فمطلب التغيير: "ليعبد العباد رب العباد، وينتقلون بالإسلام إلى سعة الدنيا والآخرة، مطلب الرخاء المنشود، ومن جور البشر إلى عدل الإسلام وقسطه"، هذا هو التغيير المنشود: إقامة شرع الله في الأرض، ونشر العدل والرخاء بالحق، ودفع الظلم بمراعاة حق الله في البشر، وإنما يعمل المسلمون لهذا.
رابعًا:
إن الهدف الأسمى الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتشتهيه أفئدة الموحدين: إقامة شريعة الله في الأرض، وتنصيب الخليفة الذي يعم به العدل والسلام، والألفة والوئام، وهذه هي الغاية المنشودة من رب العباد: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف: 40].
خامساً:
اعلموا أيها الأحبة أن غاية المراد رضا رب العباد، وإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، فالمطلوب في المرحلة القادمة من كل المسلمين:
1- توبة صادقة، والرجوع إلى الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31].
إن كلا منا له ذنوب ومعاص لا يسلم منها البشر، وهي تتفاوت ما بين هفوات وصغائر (هي اللمم)، وما بين كبوات وكبائر تحتاج إلى عمل كبير يجبر الخلل، فالتفرغ لإصلاح النفس وتجديد العهد مع الله ليصلح لنا هذه الأحوال ويخرج بنا إلى بر السلام، { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].
2- كيف حال قلوبكم مع الله؟
لله درهها من كلمة، كيف حال القلوب؟ أين قلبك يا عبد الله؟ إنني تساءلت في هذه المحنة: هل يظن بعض الناس أنه أثناء الأحداث يسوغ له أن ينسى حال قلبه؟ وهل يأذن له الشرع أن يتغاضى عن عباداته وقرباته في هذه الملمات؟ إن الله تعالى أمر بذكره في أشد المواقف: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال: 45]، بأبي وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما زال يصلي في عريش ليلة بدر ويوم بدر هل تغيرت الأحداث فتغيرت القلوب؟ وكثر الكلام فقست القلوب؟ أين قلبك يا عبد الله؟ أين معاني الإخلاص والطمأنينة والخشية والإخبات؟ { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عبادة في الهرج كهجرة إلي » [رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب فضل العبادة في الهرج]، هل كنت ممن ينقر صلاته ليدرك الجلوس أمام التلفزيون؟ ماذا خالط قلبك يا عبد الله؟ المطلب إذن: إصلاح القلوب، وعود إلى العبادات، وزيادة القربات، وإدمان الدعاء بيقين الإجابة أن يكشف الله الغمة عن جميع الأمة.
إخوتي.. إذا كانوا بصدد تغيير أو تعديل أو تبديل أو إنشاء دستور جديد، فالذي يحسن ظننا في القائمين عليه: أن يحفظوا المادة الثانية من الدستور كما هي دون تحريف أو تعديل أو لف أو دوران، حاسمة كما هي: أن مصر جزء من الأمة العربية، لغتها الرسمية اللغة العربية، ودينها الرسمي دين الإسلام، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وأن تفعل هذه المادة فيلغى ويمحى ويحتاط في المستقبل لكل قانون بحيث لا يوجد في مصرنا قانونا يخالف شريعة الإسلام.
وأخيراً إخوتي:
إن كان الله جل جلاله قد كتب بهذا فتحا مبينا، فليكن أول ذلك بعد العبادة وإصلاح الأنفس: الدعوة إلى الله والعمل للدين، وتبصير المسلمين، وخيركم من دل على الله فحبب الله إلى خلقه، وحبب الخلق إلى الله.
هذا أوان العمل بجد.. كم قلت لك: لا تنشغل بالمغلق وأقبل على المتاح.. الآن ما أكثر السبل المتاحة للدعوة إلى الله.
فاعمل وليرى الله منك خيرا.
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: موقع الربانية
- التصنيف:
nada
منذمحسن على
منذ