قصة أصحاب الأخدود - (4) الثبات على دين الله

منذ 2018-01-11

فطريق الدعوة طريق رُسِمت في السماء أعلامه، وزَكَت نفوس رُوَّاده، مَيدانه في الأرض، وغايته في السماء، أئمَّته اصطفاهم الله - سبحانه وتعالى - فكانوا خيرَ البشر، ونالوا من الذِّكر والأجر، أسْبَغ الله عليهم سبيل الهداية، فهم بين الدعوة والبلاء،..

(4) الثبات على دين الله

وبعد: فتبقى كلمة: الثبات على دين الله - سبحانه وتعالى.

إن الثبات على دين الله - سبحانه وتعالى - مطلب أساسي لكلِّ مسلم صادق، يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشدٍ؛ كما قال الشيخ محمد صالح المنجد - حَفِظه الله.

 

وتكمن أهمية هذا الموضوع في أمور، من أهمِّها:

1- وضْع المجتمعات الحاليَّة التي يعيش فيها المسلمون، وأنواع الفِتن والمُغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشُّبهات التي بسببها أضحى الدِّين غريبًا، فنال المتمسكون به مثلاً عجيبًا: "القابض على دينه كالقابض على الجَمر".

 

ولا شكَّ عند كلِّ ذي لُبٍّ أنَّ حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظمُ من حاجة أخيه أيام السلف، والجُهد المطلوب لتحقيقه أكبر؛ لفساد الزمان، ونُدرة الإخوان، وضَعْف المُعين، وقلة الناصر.

 

2- كثرة حوادث الرِّدة والنكوص على الأعقاب، والانتكاسات، حتى بين بعض العاملين للإسلام؛ مما يحمل المسلمَ على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمَّس وسائل الثبات للوصول إلى برٍّ آمن.

 

3- ارتباط الموضوع بالقلب، الذي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأنه فيما رواه عنه أحمد والحاكم، وذكَره الألباني في السلسلة الصحيحة: «لَقلب ابن آدمَ أشدُّ انقلابًا من القِدر إذا اجتمَعت غليًا».

 

ويَضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- للقلب مثلاً آخر، فيقول فيما رواه أحمد وذكَره الألباني في صحيح الجامع: «إنما سُمِّي القلب من تقلُّبه، إنما مَثَلُ القلب كمَثَلِ ريشة في أصل شجرة، يقلِّبها الريح ظهرًا لبطنٍ»، فسبق الحديث قول الشاعر:

 

وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لِنَسْيِهِ *** وَلاَ الْقَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

 

فتثبيت هذا المتقلِّب برياح الشهوات والشُّبهات أمرٌ خطير، يحتاج لوسائل جبَّارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها.

 

ومن رحمة الله - سبحانه وتعالى - بنا أن بيَّن لنا في كتابه وعلى لسان نبيِّه، وفي سيرته -صلى الله عليه وسلم- وسائلَ كثيرةً للثبات، نستعرض سويًّا بعضًا منها، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

 

أولاً: الإقبال على القرآن:

القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حَبْل الله المتين، والنور المبين، مَن تمسَّك به، عصَمه الله، ومَن اتَّبعه، أنْجاه الله، ومَن دعا إليه، هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.

 

نصَّ الله - سبحانه وتعالى - على أنَّ الغاية التي من أجْلها أنزل هذا الكتاب منجَّمًا مفصَّلاً هي التثبيت، فقال - سبحانه وتعالى - في معرض الردِّ على شُبَه الكفار: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا *وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفرقان: 32 - 33].

 

فلماذا كان القرآن مصدرًا للتثبيت؟!

والجواب: لأنه يَزرع الإيمان، ويُزكِّي النفس بالصِّلة بالله - سبحانه وتعالى - ولأن تلك الآيات تتنزَّل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن، فلا تَعصِف به رياح الفتنة، بل يَطمئن قلبه بذِكر الله، ولأنه - مع ذلك - يُزود المسلم بالتصوُّرات والقِيَم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاعَ من حوله، وكذا الموازين التي تهيِّئ له الحُكم على الأمور، فلا يضطرب حُكمه، ولا تتناقَض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص، ولأنه يردُّ على الشُّبهات التي يُثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين، كالأمثلة الحيَّة التي عاشَها الصدر الأول.

 

وهذه نماذج منها:

1- ما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى -: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] على نفس الرسول -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قال المشركون: وُدِّعَ محمد؟! وراجِع القصة كاملة في صحيح مسلم بشرْح النووي.

 

2- وما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى -:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] لَمَّا ادَّعى كفار قريش أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إنما يعلِّمه بشر، وأنه يأخذ القرآن عن نجَّار رومي بمكة؟!

 

3- وما هو أثر قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] في نفوس المؤمنين لَمَّا قال المنافق: ﴿ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]؟!

 

أليس تثبيتًا على تثبيتٍ، وربطًا على القلوب المؤمنة، وردًّا على الشُّبهات، وإسكاتًا لأهل الباطل؟! بلى ورَبي.

 

ومن العجب أن الله - سبحانه وتعالى - يَعِدُ المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائمَ كثيرة يأخذونها - وهي غنائم خيبر - وأنه سيُعجِّلها لهم، وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم، وأنَّ المنافقين سيطلبون مرافقتهم، وأنَّ المسلمين سيقولون: لن تتَّبعونا، وأنهم سيُصرون يريدون أن يبدِّلوا كلام الله، وأنهم سيقولون للمؤمنين: بل تحسدوننا، وأنَّ الله - سبحانه وتعالى - أجابَهم بقوله: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15]، ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة، وخُطوة بخطوة، وكلمة بكلمة.

 

ومن هنا نستطيع أن نُدرك الفرق بين الذين ربَطوا حياتهم بالقرآن، وأقبلوا عليه تلاوة وحِفظًا، وتفسيرًا وتدبُّرًا، منه ينطلقون، وإليه يَفيئون، وبين مَن جعلوا كلام البشر جُلَّ همِّهم، وشُغلهم الشاغل، ويا ليْتَ الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيبًا كبيرًا من طلبِهم.

 

ثانيًا: الْتِزام شرع الله والعمل الصالح:

قال الله - سبحانه وتعالى -: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]؛ قال قتادة: أمَّا الحياة الدنيا، فيُثبِّتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة: في القبر، وكذا رُوِي عن غير واحدٍ من السلف، وقال - سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]؛ أي: على الحقِّ.

 

وهذا بَيِّنٌ؛ وإلاَّ فهل نتوقَّع ثباتًا من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة، إذا أطلَّت الفتنة برأسها وادْلَهمَّ الخَطْب؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يَهديهم ربُّهم بإيمانهم صراطًا مستقيمًا؛ ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يُثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدْوَمه وإن قلَّ، وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه، وكانت عائشة - رضي الله عنها - إذا عَمِلت العمل لَزِمته، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن ثابَر على اثنتي عشرة ركعة، وَجَبَت له الجنة»؛ والحديث رواه الترمذي، وقال: الحديث حسنٌ أو صحيح، وهو في صحيح النسائي، وصحيح الترمذي، والمقصود: السُّنن الرَّواتب، وفي الحديث القدسي عند البخاري: «ولا يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل؛ حتى أحبَّه».

 

ثالثًا: تدبُّر قَصص الأنبياء ودراستها؛ للتأسي والعمل:

والدليل على ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، فما نزلَت تلك الآيات على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للتلهِّي والتفكُّه، وإنما لغرضٍ عظيم، هو تثبيتُ فؤاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفئدة المؤمنين معه، فلو تأمَّلنا قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 68 - 70]؛ قال ابن عباس فيما نقَله عنه صاحب الفتح: "كان آخر قول إبراهيم حين ألْقِي في النار: حسبي الله ونِعم الوكيل"، ألا نشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطُّغيان والعذاب يدخل أنفسنا ونحن نتأمَّل هذه القصة؟ أيضًا لو تدبَّرت قول الله - سبحانه وتعالى - في قصة موسى - عليه السلام -: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62]، ألا تحسُّ بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين، والثبات في لحظات الشِّدة وسط صَرخات اليائسين وأنت تتدبَّر هذه القصة؟!

 

وكذلك: لو استعرضْتَ قصة سَحَرَة فرعون، ذلك المَثَل العجيب للثُّلة التي ثبتَت على الحق بعدما تبيَّن، ألا ترى أن معنًى عظيمًا من معاني الثبات يستقرُّ في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى}[طه: 71].

 

ثبات القلَّة المؤمنة الذي لا يَشوبه أدنى تراجُع وهم يقولون: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].

 

وهكذا قصة المؤمن في سورة يس، ومؤمن آل فرعون، وأصحاب الأخدود وغيرها، يكاد الثبات يكون أعظم دروسها قاطبةً.

 

رابعًا: الدعاء:

فمن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجَّهون إلى الله بالدعاء أن يُثبِّتَهم: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾[البقرة: 250]، ولَمَّا كانت: "قلوب بني آدمَ كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحد يُصرفه حيث يشاء"؛ كما روى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعًا، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثر أن يقول: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))؛ كما رَوى الترمذي عن أنس مرفوعًا، وهو في صحيح الجامع.

 

خامسًا: ذِكر الله:

وهو من أعظم أسباب التثبيت، تأمَّل هذا الاقتران بين الأمرين في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، فجعَله من أعظم ما يُعين على الثبات في الجهاد.

 

"وتأمَّل أبدان فارس والروم، كيف خانَتْهم أحوج ما كانوا إليها"، بالرغم من قلة عدد وعُدة الذاكرين الله كثيرًا.

 

وبماذا استعان يوسف - عليه السلام - في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المَنصب والجمال، لَمَّا دَعتْه إلى نفسها؟ ألَم يدخل - عليه السلام - في حصن: "معاذ الله"؟!، فتكسَّرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حِصنه، وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين.

 

سادسًا: الحرص على أن يَسلُك المسلم طريقًا صحيحًا:

والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كلِّ مسلم سلوكه هو طريق أهل السُّنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم، واتِّباع السُّنة والدليل، والتميُّز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل.

 

وإذا أردتَ أن تعرف قيمة هذا في الثبات، فتأمَّل وسائل نفسك: لماذا ضلَّ كثير من السابقين واللاحقين وتحيَّروا، ولَم تَثبت أقدامهم على الصراط المستقيم، ولا ماتوا عليه؟ أو وصَلوا إليه بعدما انقَضى جُلُّ عمرهم، وأضاعوا أوقاتًا ثمينة من حياتهم؟!

 

فترى أحدهم يَتنقل في منازل البدع والضلال؛ من الفلسفة، إلى علم الكلام والاعتزال، إلى التحريف والتأويل، إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوُّف إلى أخرى.

 

وهكذا أهل البدع يتحيَّرون ويضطربون، وانظر كيف حُرِم أهل الكلام الثبات عند الممات؛ فقد قال السلف: "أكثر الناس شكًّا عند الموت أهل الكلام".

 

لكن فَكِّر وتدبَّر: هل رجَع أحدٌ من أهل السُّنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً، بعد إذ عرَفه وَفقهه وسَلَكَه؟ قد يتركه لأهواء وشهوات، أو لشُبهات عرَضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصحَّ منه، أو تبيَّن له بطلانه.

 

ومِصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتْباع محمد -صلى الله عليه وسلم- قال هرقل لأبي سفيان: "فهل يرتدُّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ "قال أبو سفيان: لا، ثم قال هرقل: "وكذلك الإيمان حين تُخالط بشاشته القلوب"؛ والحديث رواه البخاري.

 

سمعنا كثيرًا عن كبار تنقَّلوا في منازل البدع، وآخرين هداهم الله، فترَكوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السُّنة والجماعة، ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سَمِعنا العكس؟!

 

فإن أردتَ الثبات، فعليك بسبيل المؤمنين.

 

سابعًا: التربية:

التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عاملٌ أساسي من عوامل الثبات:

• التربية الإيمانية التي تُحيي القلب والضمير بالخوف والرجاء والمحبَّة، المنافية للجفاف الناتج من البُعد عن نصوص القرآن والسُّنة، والعكوف على أقاويل الرجال.

 

• التربية العلمية القائمة على الدليل الصحيح، المنافية للتقليد والإمَّعِيَّة الذميمة.

 

• التربية الواعية: التي لا تعرف سبيل المجرمين، وتدرس خُطط أعداء الإسلام، وتُحيط بالواقع علمًا، وبالأحداث فَهمًا وتقويمًا، المنافية للانغلاق والتقوقُع على البيئات الصغيرة المحدودة.

 

• التربية المتدرِّجة: التي تَسير بالمسلم شيئًا فشيئًا، ترتقي به في مدارج كماله بتخطيط موزون، والمنافية للارتجال والتسرُّع والقفزات المُحطِّمة.

 

ولكي نُدرك أهميَّة هذا العنصر من عناصر الثبات، فلنَعُد إلى سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونسائل أنفسنا: ما هو مصدر ثبات صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة إبَّان فترة الاضطهاد؟! كيف ثبَت بلال وخبَّاب، ومصعب وآل ياسر، وغيرهم من المستضعفين؟! وحتى كبار الصحابة في حصار الشِّعب وغيره؟! هل يمكن أن يكون ثباتُهم بغير تربية عميقة من مِشكاة النبوَّة صَقَلَت شخصيَّاتهم؟!

 

لنأخذ رجلاً صحابيًّا مثل خبَّاب بن الأرت - رضي الله عنه - الذي كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمرَّ، ثم تَطرحه عليها عاري الظهر، فلا يُطفئها إلاَّ وَدَكُ ظهْره - أي: شَحمه - حين يَسيل عليها، ما الذي جعَله يَصبر على هذا كله؟! وبلال تحت الصخرة في الرَّمضاء، وسُميَّة في الأغلال والسلاسل.

 

وسؤال مُنبثق من موقف آخرَ في العهد المدني: مَن الذي ثبَت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حُنين لَمَّا انهزَم أكثر المسلمين؟ هل هم حديثو العهد بالإسلام ومُسلِمة الفتح الذين لَم يتربَّوا وقتًا كافيًا في مدرسة النبوَّة والذين خرَج كثير منهم طلبًا للغنائم؟ كلاَّ، إن غالب مَن ثبَت هم أولئك الصفوة المؤمنة التي تلقَّت قدرًا عظيمًا من التربية على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

فلو لَم تكن هناك تربية، تُرى هل كان سيَثبت هؤلاء؟!

 

ثامنًا: الثقة بالطريق:

لا شكَّ أنه كلما ازدادَت الثقة بالطريق الذي يَسلكه المسلم، كان ثباته عليه أكبر، ولهذا وسائل، منها:

• استشعار أنَّ الصراط المستقيم الذي تَسلكه ليس جديدًا، ولا وليدَ قَرْنك وزمانك، وإنما هو طريق عتيق - عتيق صفة مدح - قد سارَ فيه مِن قبلك الأنبياء والصِّدِّيقون والعلماء، والشُّهداء والصالحون، فبهذا الشعور تزول غُربتك، وتتبدَّل وَحْشتُك أُنسًا، وكآبتك فرحًا وسرورًا؛ لأنك تشعر بأنَّ أولئك كلهم إخْوَة لك في الطريق والمنهج.

 

• الشعور بالاصطفاء؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59]، وقال: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6].

 

وكما أنَّ الله - سبحانه وتعالى - اصطفى الأنبياء، فللصالحين نصيبٌ من ذلك الاصطفاء، وهو ما وَرِثوه من علوم الأنبياء.

 

ماذا يكون شعورك لو أنَّ الله خلقَك جمادًا، أو دابَّة، أو كافرًا مُلحدًا، أو داعيًا إلى بدعة، أو فاسقًا، أو مسلمًا غير داعية لإسلامه، أو داعية في طريق متعدِّد الأخطاء؟! ألا ترى أنَّ شعورك باصطفاء الله لك، وأنْ جعَلك داعية من أهل السُّنة والجماعة من عوامل ثباتك على منهجك وطريقك؟!

 

تاسعًا: ممارسة الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى:

النفس إن لَم تتحرَّك، تأسَنْ، وإن لَم تَنطلق تتعفَّن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس: الدعوة إلى الله؛ فهي وظيفة الرُّسل، ومُخلصة النفس من العذاب؛ فيها تتفجَّر الطاقات، وتُنجَز المهمَّات؛ ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [الشورى: 15].

 

وليس يصحُّ شيء يقال فيه: فلان لا يتقدَّم ولا يتأخر؛ فإن النفس إن لَم تَشغلها بالطاعة، شَغَلتك بالمعصية، والإيمان يَزيد وينقص، والدعوة إلى المنهج الصحيح - ببَذْل الوقت، وكَدِّ الفكر، وسَعي الجسد، وانطلاق اللسان؛ حيث تُصبح الدعوة هَمَّ المسلم وشُغله الشاغل - تقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة.

 

زِدْ على ذلك ما يحدث في نفس الداعية من الشعور بالتحدِّي تُجاه العوائق، والمعاندين، وأهل الباطل، وهو يسير في مشواره الدعوي، فيرتقي إيمانه، وتقْوَى أركانه، فتكون الدعوة - بالإضافة لما فيها من الأجْر العظيم - وسيلة من وسائل الثبات والحماية من التراجُع والتقهقُر؛ لأن الذي يُهاجم لا يحتاج للدفاع، والله مع الدُّعاة: يثُبتهم، ويُسدِّد خطاهم، والداعية كالطبيب يُحارب المرض بخِبرته وعِلمه، وبمحاربته في الآخرين، فهو أبعدُ من غيره عن الوقوع فيه.

 

عاشرًا: الالتفاف حول العناصر المُثبتة:

تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به - عليه الصلاة والسلام -: ((إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير، مغاليق للشر))، والحديث حسن؛ رواه ابن ماجه عن أنس مرفوعًا، وابن أبي عاصم، وهو في السلسلة الصحيحة.

 

البحث عن العلماء والصالحين والدُّعاة المؤمنين، والالتفاف حولهم مُعين كبير على الثبات، وقد حدَثت في التاريخ الإسلامي فتنٌ ثبَّت الله فيها المسلمين برجال، ومن ذلك ما قاله علي بن المَديني - رحمه الله -: "أعز الله الدين بالصِّديق يوم الرِّدة، وبأحمد يوم المِحنة".

 

وتأمَّل ما قاله ابن القَيِّم - رحمه الله - عن دور شَيْخه شيخ الإسلام في التثبيت: "وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوف، وساءَت بنا الظنون، وضاقَت بنا الأرض، أتيناه، فما هو إلاَّ أنْ نراه ونَسمع كلامه، فيذهب ذلك كلُّه عنا، وينقلب انشراحًا وقوةً، ويقينًا وطمأنينة، فسبحان مَن أشْهد عباده جنَّته قبل لقائه، وفتَح لهم أبوابها في دار العمل، وآتاهم من رَوحها ونسيمها وطيبها، ما استفرَغ قُواهم لطلبها والمسابقة إليها".

 

وهنا تَبرز الأخوَّة الإسلاميَّة كمصدر أساسي للتثبيت؛ فإخوانك الصالحون، والقدوات والمربُّون هم العونُ لك في الطريق، والركن الشديد الذي تأوي إليه، فيُثبِّتوك بما معهم من آيات الله - سبحانه وتعالى - والحِكمة.

 

الْزَمهم وعِشْ في أكنافهم، وإيَّاك والوَحْدة، فتتخطَّفك الشياطين؛ فإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصيةَ.

 

الحادي عشر: الثقة بنصر الله - سبحانه وتعالى - وأن المستقبل للإسلام:

نحتاج إلى الثبات كثيرًا عند تأخُّر النصر؛ حتى لا تَزل قدَمٌ بعد ثبوتها؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 146 - 148].

 

ولَمَّا أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُثبِّت أصحابه المعذَّبين، أخبَرهم بأنَّ المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمِحَن، فماذا قال؟

 

جاء في حديث خبَّاب مرفوعًا عند البخاري: ((وليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر؛ حتى يسيرَ الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنَمه)).

 

فَعَرْضُ أحاديث البِشارة بأنَّ المستقبل للإسلام على الناشئة مهمٌّ في تربيتهم على الثبات.

 

الثاني عشر: معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به:

في قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴾ [آل عمران: 196]، تسريةٌ عن المؤمنين، وتثبيتٌ لهم، وفي قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]، عِبرةٌ لأُولِي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له.

 

ومن طريقة القرآن فَضْحُ أهل الباطل وتَعْرية أهدافهم ووسائلهم؛ ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55]؛ حتى لا يُؤخذ المسلمون على حين غِرَّة، وحتى يَعرفوا مَن أين يُؤتَى الإسلام.

 

وكم سَمِعنا ورأينا حركات تهاوَت، ودُعاة زَلَّت أقدامهم، ففَقدوا الثبات لَمَّا أُتُوا من حيث لَم يحتسبوا؛ بسبب جَهْلهم بأعدائهم.

 

الثالث عشر: استجماع الأخلاق المُعينة على الثبات:

وعلى رأسها الصبر؛ ففي حديث الصحيحين: ((وما أُعطِي أحد عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر))، وأشد الصبر عند الصدمة الأولى، وإذا أُصيبَ المرء بما لَم يتوقَّع، تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عُدِم الصبر، تأمَّل فيما قاله ابن الجوزي - رحمه الله -: "رأيت كبيرًا قاربَ الثمانين، وكان يُحافظ على الجماعة، فمات ولدٌ لابنته، فقال: ما ينبغي لأحد أن يدعو، فإنه ما يَستجيب، ثم قال: إنَّ الله يُعاند، فما يترك لنا ولدًا" - تعالى الله عن قوله عُلوًّا كبيرًا.

 

لَمَّا أُصيب المسلمون في أُحدٍ لَم يكونوا ليتوقَّعوا تلك المصيبة؛ لأن الله وعَدهم بالنصر، فعلَّمهم الله - سبحانه وتعالى - بدرسٍ شديد بالدماء والشُّهداء؛ ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، ماذا حصل من عند أنفسهم؟! ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

 

الرابع عشر: وصية الرجل الصالح:

عندما يتعرَّض المسلم لفتنة ويَبتليه ربُّه ليُمَحِّصَه، يكون من عوامل الثبات أن يُقيِّضَ الله له رجلاً صالحًا يَعِظه ويُثبته، فتكون كلمات ينفع الله بها، ويُسدِّد الخُطى، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله، ولقائه، وجنَّته، وناره.

 

وهاك هذه الأمثلة من سيرة الإمام أحمد - رحمه الله - الذي دخل المِحنة ليَخرج ذهبًا نقيًّا، لقد سِيق إلى المأمون مقيَّدًا بالأغلال، وقد توعَّده وعيدًا شديدًا قبل أن يَصِل إليه، حتى لقد قال خادم للإمام أحمد - كما في البداية والنهاية -: يعزُّ عليّ يا أبا عبدالله أنَّ المأمون قد سَلَّ سيفًا لَم يَسلَّه قبل ذلك، وأنه يُقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئن لَم تُجبْه إلى القول بخَلْق القرآن، ليَقْتُلنَّك بذلك السيف.

 

وهنا ينتهز الأذكياء من أهل البصيرة الفرصة؛ ليلقوا إلى إمامهم بكلمات التثبيت؛ ففي "السِّيَر"؛ للذهبي عن أبي جعفر الأنباري قال: لَمَّا حُمِل أحمد إلى المأمون أُخْبِرت، فعبَرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلَّمت عليه، فقال: يا أبا جعفر؛ تعنَّيت، فقلت: يا هذا؛ أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجَبْت إلى خَلْق القرآن؛ ليُجيبنَّ خَلْقٌ، وإن لَم تُجِب، ليَمْتنعنَّ خَلْقٌ من الناس كثيرٌ، ومع هذا فإن الرجل إن لَم يَقتلك، فإنك تموت، لا بد من الموت، فاتَّقِ الله ولا تُجِب، فجعَل أحمد يبكي، ويقول: ما شاء الله، ثم قال: يا أبا جعفر أعِد، فأعدتُ عليه، وهو يقول: ما شاء الله.

 

وقال الإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون: "صِرنا إلى الرَّحبة، ورحَلنا منها في جوف الليل، فعرَض لنا رجل، فقال: أيُّكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا، فقال للجمَّال: على رِسْلك، ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تُقتَل ها هنا، وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضَى، فسألت عنه، فقيل لي: هذا رجل من العرب من ربيعة، يعمل الصوف في البادية، يقال له: جابر بن عامر يُذكَر بخيرٍ.

 

وفي البداية والنهاية: أنَّ أعرابيًّا قال للإمام أحمد: يا هذا، إنك وافدُ الناس، فلا تكن شؤمًا عليهم، وإنك رأس الناس اليوم، فإيَّاك أن تُجيبَهم إلى ما يدعونك إليه، فيُجيبوا، فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنتَ تحب الله، فاصبرْ على ما أنت فيه؛ فإنه ما بينك وبين الجنة إلاَّ أن تُقتل.

 

قال الإمام أحمد: وكان كلامه مما قوَّى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه.

 

وفي رواية أن الإمام أحمد قال: ما سَمِعت كلمة منذ وقَعتُ في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي، كلمني بها في رَحبة طوق - وهي بلدة بين الرِّقة وبغداد على شاطئ الفرات - قال: يا أحمد، إن يَقتلك الحقُّ، مُتَّ شهيدًا، وإن عِشت، عِشتَ حميدًا، فقَوِي قلبي.

 

ويقول الإمام أحمد عن مُرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمَد معه في الفتنة: ما رأيت أحدًا - على حَداثة سِنِّه وقَدْر عِلْمه - أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد خُتِم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبدالله، الله الله؛ إنك لست مثلي، أنت رجل يُقتدى بك، قد مدَّ الخَلْق أعناقهم إليك؛ لِمَا يكون منك، فاتَّقِ الله، واثبتْ لأمر الله، فمات وصَلَّيْتُ عليه ودَفَنْتُه.

 

وحتى أهل السجن الذين كان يصلي بهم الإمام أحمد وهو مُقيَّد، قد أسهموا في تثبيته؛ فقد قال الإمام أحمد مرَّة في الحَبْس، لستُ أُبالي بالحَبْس، ما هو ومنزلي إلا واحدٌ، ولا قتْلاً بالسيف، وإنما أخاف فتنة السَّوط، فسَمِعه بعض أهل الحَبْس، فقال: لا عليك يا أبا عبدالله؛ فما هو إلا سوطان، ثم لا تَدري أين يقع الباقي، فكأنه سُرِّي عنه.

 

فاحْرِص أيها الأخ الكريم على طلب الوصيَّة من الصالحين، واعْقِلها إذا تُلِيَتْ عليك، اطْلُبها قبل سفرٍ إذا خَشِيت مما قد يقع فيه، اطْلُبها أثناء ابتلاءٍ، أو قبل مِحنة متوقَّعة، اطْلُبها إذا عُيِّنت في منصبٍ، أو وَرِثت مالاً وغنًى، ثَبِّتْ نفسك، وثَبِّت غيرك، والله وَلِيُّ المؤمنين.

 

الخامس عشر: التأمُّل في نعيم الجنة وعذاب النار، وتذكُّر الموت:

والجنة بلاد الأفراح، وسلوة الأحزان، ومَحط رِحال المؤمنين، والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات، إلا بمقابل يهوِّن عليها الصِّعاب، ويُذلِّل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق.

 

فالذي يعلم الأجْر، تهون عليه مَشقة العمل، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لَم يَثبت، فستفوته جنة عرْضُها السموات والأرض، ثم إنَّ النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي، ويَجذبها إلى العالم العلوي.

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستخدم ذِكر الجنة في تثبيت أصحابه؛ ففي الحديث الحسن الصحيح أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بياسر وعمَّار وأمِّ عمار وهم يؤذَوْن في الله - سبحانه وتعالى - فقال لهم: ((صبرًا آل ياسر، صبرًا آل ياسر؛ فإنَّ موعدكم الجنة))؛ والحديث رواه الحاكم، وهو حديث حسنٌ صحيح.

 

وكذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يقول للأنصار فيما رواه عنه البخاري ومسلم: ((إنكم ستلقون بعدي أثْرَة، فاصبروا حتى تَلْقَوْني على الحَوْض))، وكذلك مَن تأمَّل حال الفريقين في القبر والحشر، والحساب والميزان والصراط، وسائر منازل الآخرة.

 

كما أن تذكُّر الموت يحمي المسلم من التردِّي، ويوقِفه عند حدود الله، فلا يتعدَّاها؛ لأنه إذا عَلِم أنَّ الموت أدنى من شِراك نَعْله، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات، فكيف تُسَوِّل له نفسه أن يَزلَّ، أو يتمادى في الانحراف؛ ولأجل هذا قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي وصححه الألباني: ((أكْثِروا من ذِكر هادم اللذات)).

 

إذًا كانت هذه هي بعض عوامل الثبات، ففي أي المواضع يكون احتياجنا لهذا الثبات؟ والجواب عن ذلك يكون في معرفة مواطن الثبات، وهي كثيرة تحتاج إلى تفصيل، لكني أكتفي بسَرْد بعضها على وجْه الإجمال في هذا المقام:

 

أولاً: الثبات في الفِتن:

التقلُّبات التي تُصيب القلوب سببها الفِتن، فإذا تعرَّض القلب لفِتن السرَّاء والضرَّاء، فلا يثبت إلاَّ أصحاب البصيرة الذين عَمَر الإيمانُ قلوبَهم.

 

ومن أنواع الفتن:

• فتنة المال؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [التوبة: 75 - 76].

 

• ومنها: فتنة الجاه؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

 

وعن خطورة الفِتنتين السابقتين قال-صلى الله عليه وسلم-: ((ما ذئبان جائعان أُرْسِلا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حِرص المرء على المال والشرف لدينه))؛ والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، وهو في صحيح الجامع، والمعنى: أنَّ حِرص المرء على المال والشرف أشدُّ فسادًا للدين من الذئبين الجائعين أُرْسِلا في غنمٍ.

 

• ومنها: فتنة الزوجة؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14].

 

• ومنها: فتنة الأولاد: فـ((الولد مَجْبنة، مَبخلة، مَحزنة))، والحديث رواه أبو يَعْلى، وله شواهدُ، وهو في صحيح الجامع.

 

• ومنها: فتنة الاضطهاد والطُّغيان والظلم، ويُمثِّلها أروعَ تمثيل قولُه - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [البروج: 4 - 9].

 

وروى البخاري عن خبَّاب - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّد بُردة في ظلِّ الكعبة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((قد كان مَن قبلكم يؤخَذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد من دون لَحمه وعَظْمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه)).

 

• ومنها: فتنة الدَّجَّال، وهي أعظم فتن المَحيا؛ ففى الحديث: ((يا أيُّها الناس، إنها لَم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرَأ الله آدمَ أعظمَ من فتنة الدَّجال، يا عباد الله، أيها الناس، فاثبتوا؛ فإني سأصِفه لكم صفة لَم يَصِفْها إيَّاه نبيٌّ قبلي))؛ والحديث رواه ابن ماجه، وهو في صحيح الجامع.

 

وعن مراحل ثبات القلوب وزَيْغها أمام الفتن يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد ومسلم: ((تُعرض الفتن على القلوب، كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشربها، نُكِت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنْكَرها، نُكِت فيه نكتة بيضاء، حتى يَصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضرُّه فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجخيًا، لا يَعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، إلاَّ ما أُشرِب من هواه))، ومعنى عَرْض الحصير؛ أي: تؤثِّر الفتن في القلب، كتأثير الحصير في جَنْب النائم عليه، ومعنى (مُربادًّا): بياض شديد قد خالَطه سواد، ومعنى (مُجخيًا): مقلوب مَنكوس.

 

ثانيًا: الثبات في الجهاد:

قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، ومن الكبائر في ديننا الفرار من الزحف، وكان -صلى الله عليه وسلم- وهو يحمل التراب على ظَهْره في الخندق يردِّد مع المؤمنين: ((وثبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقَيْنَا))؛ والحديث رواه البخاري.

 

ثالثًا: الثبات على المنهج:

قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

مبادئهم أغلى من أرواحهم، وإصرارهم لا يعرِف التنازل.

 

رابعًا: الثبات عند الممات:

أما أهل الكفر والفجور، فإنهم يُحرَمُون الثبات في أشد الأوقات كُربة، فلا يستطيعون التلفُّظ بالشهادة عند الموت، وهذا من علامات سوء الخاتمة؛ كما قيل لرجل عند موته: قل: لا إله إلا الله، فجعَل يحرِّك رأسه يمينًا وشمالاً، يرفض قولها.

 

وآخر يقول عند موته: هذه قطعة جيِّدة، هذه مشتراها رخيص، وثالث يذكر أسماء قِطَع الشطرنج، ورابع يُدندن بألحان أو كلمات أغنية، أو ذِكر معشوق؛ ذلك لأن مثل هذه الأمور أشْغَلتهم عن ذِكر الله في الدنيا.

 

وقد يُرَى من هؤلاء سوادُ وَجْهٍ، أو نَتنُ رائحة، أو صَرْفٌ عن القِبلة عند خروج أرواحهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أما أهل الصلاح والسُّنة، فإن الله - سبحانه وتعالى - يوفِّقهم للثبات عند الممات، فيَنطقون بالشهادتين، وقد يُرى من هؤلاء تهلُّل وَجْه، أو طِيب رائحة، ونوْعُ استبشارٍ عند خروج أرواحهم.

 

وهذا مثال لواحد ممن وفَّقهم الله للثبات في نازلة الموت، إنه أبو زُرعة الرازي - أحد أئمة أهل الحديث - وهذا سياق قصته: قال أبو جعفر محمد بن علي ورَّاق أبي زُرعة: حضَرنا أبا زُرعة بماشهران - قرية من قرى الري - وهو في السَّوْق؛ أي: عند احتضاره، وعنده أبو حاتم، وابن وارَه، والمنذر بن شاذان وغيرهم، فذكَروا حديث التلقين: ((لَقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله))، واستحيوا من أبي زُرعة أن يُلَقِّنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث، فقال ابن وارَه: حدَّثنا أبو عاصم، حدَّثنا عبدالحميد بن جعفر عن صالح، وجعَل يقول: ابن أبي، ولَم يجاوزه، فقال أبو حاتم: حدثنا بُندار، حدثنا أبو عاصم، عن عبدالحميد بن جعفر، عن صالح، ولَم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زُرعة - وهو في السَّوْق، وفتح عينيه -: حدَّثنا بُندار، حدثنا أبو عاصم، حدَّثنا عبدالحميد عن صالح بن أبي غريب عن كثير بن مُرَّة عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخَل الجنة))، وخرَجت رُوحه - رحمه الله - كما في سِيَر أعلام النبلاء.

 

ومثل هؤلاء قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

 

فاللهمَّ اجْعَلنا منهم، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

كن داعيًا:

قال الله - سبحانه وتعالى - عن نفسه: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، وقال - جلَّ جلاله - واصفًا رسوله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45 - 46].

 

وقال - سبحانه وتعالى - عن صفات المفلحين من عباده: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

فطريق الدعوة طريق رُسِمت في السماء أعلامه، وزَكَت نفوس رُوَّاده، مَيدانه في الأرض، وغايته في السماء، أئمَّته اصطفاهم الله - سبحانه وتعالى - فكانوا خيرَ البشر، ونالوا من الذِّكر والأجر، أسْبَغ الله عليهم سبيل الهداية، فهم بين الدعوة والبلاء، يتلذَّذون بالدعاء، أعلم الناس بالحق، وأحْرَصهم على هداية الخَلق، كلما عَظُم الخَطْب، لَم يشغلهم إلاَّ مَرضاة الربِّ - سبحانه وتعالى.

 

أسْعَدهم الله في الدنيا، وبشَّرهم بخيرات الآخرة؛ فأجورهم مضاعَفة، وقُرباتهم لا تَنقطع، آثار دعوتهم في الناس أعمال صالحة، تُرفَع إليهم بُكرة وعشيًّا.

 

فلله كيف منَّ الله عليهم بأعظم مِنَّة، فرفَع درجاتهم بأعمال لا تَنقطع، ووفَّقهم إلى سبيل الدعوة، فحازوا أجورًا لا تَسعها أعمارهم القصيرة.

 

فيا ابن الإسلام، إن حَداك الشوق إلى هذا السبيل، وأصبَحت أعلامُه في أرجاء نفسك تردِّد: "كن داعيًا"، فإليك كلمات مُوحية، وجُملاً مُعبرة، ومعالِمَ موجَزة عن هذا السبيل؛ عسى أن نكون جميعًا إخوانًا على طريق الدعوة، فاللهم اهْدنا لأحسن الأعمال والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

 

صفات الداعية:

الإخلاص لله - سبحانه وتعالى - والمتابعة لأشرف الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم.

 

• العلم والحِكمة والحرص على المدعوين، والتلطُّف بهم.

• عُلو الهِمَّة، والتفاؤل دائمًا.

• الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

• المداومة على الذِّكر، وتعهُّد النفس بالتربية الربانيَّة.

• التحدُّث مع الناس بما يعقلون.

• القدوة الحسنة والالتزام، والانتهاء عن كلِّ ما نُهي عنه وحُذِّر منه.

• العلم بحال المدعوين والمعرفة بما يدعو إليه.

• استحضار الصدق واستشعار المسؤولية والأجْر.

• حضور الذِّهن، وصفاء البال، واطمئنان النفس، واصطحاب الحُجَّة والبرهان.

 

طريق الدعوة:

• دعوتنا مستمدَّة من كتاب الله - سبحانه وتعالى - وسنة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم.

• على منهاج سلف الأُمَّة الصالحين.

• ااعية يستضيء بهما، ويدعو إليهما، ويدافع عنهما، ويَبذل الغالي والنفيس في خِدمتهما.

• إلى الله ندعو على بصيرة وهدًى.

• نعلم ما ندعو إليه، ونُعلِّم الناس الحقَّ.

• بالقلم واللسان، والعلم والمال، والقدوة الحسنة، تَنتشر دعوتنا.

• نَغرس مبادئ الإسلام، ثم نفصِّل أحكام شريعتنا الغرَّاء.

• بالترغيب والترهيب، والحوار والإقناع، والحُجَّة الواضحة، نصل إلى القلوب، ونوصِّلها للحقِّ.

• بالرِّفق واللين، والصبر واليقين، تنتصر دعوتنا.

 

قلب الداعية:

• يَنبض بالإيمان، ومحبَّة الرحمن، وطاعة الرسول العدنان - صلى الله عليه وسلم.

• يتأجَّج حُرقة، ويذوب ألَمًا؛ لانتشار الجهل والمعاصي، وانحراف المجتمع.

• يتفجَّر طاقة وجهدًا في خدمة الإسلام والمسلمين.

• متعلِّق بالرحمن، راجٍ هداية الناس إلى طريق الجِنان.

• يفرَح بانتصار الحقِّ وانتشار النور، ويَحزن إذا ما أزْبَد الباطل وأرْعَد.

• مُشرئِبٌّ بالعلم والنور، متجرِّد للعزيز الغفور.

• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى أهدافه، وأجَلِّ مقاصده.

• محبَّة الخَلْق وهدايتهم في أرجائه.

 

قلم الداعية:

• بالحق يمضي على صفحات الإخلاص.

• يدعو إلى تعاليم الدين، ويُسَطِّر الحِكمة والبراهين.

• يدحض المضلِّلين، ويُنافح عن الدعاة المخلصين.

• يُبَيِّن البِدع والضلالات، ويُحارب المعاصي والمنكرات.

• يَنثر الحَرْف إيمانًا ويقينًا، ويَنظم الشعر إسلامًا مُبينًا.

• على كلماته يُرفرف التوكُّل على الله، وبين جَنباته يبتغي مرضاة الله.

• مِداده محبَّة الله - سبحانه وتعالى - ورسولِه -صلى الله عليه وسلم- وشعارُه الدعوة إلى الله.

• لا يَخشى في الله لومةَ لائمٍ، وفى سبيل الحقِّ ماضٍ ودائمٌ.

 

نور دعوي في المحراب:

في المسجد عليك بالخِصال التالية:

• كن سبَّاقًا إلى الصف الأول، ومحافظًا على صلاة الجماعة.

• تَزيَّن وتجمَّل للعبادة؛ امتثالاً لأمر الله - سبحانه وتعالى - بذلك في سورة الأعراف.

• حافِظ على السُّنن الرواتب، تنلْ أسْمَى المراتب.

• التبكير إلى الصلاة؛ استثمارًا للوقت بأداء الرواتب، وقراءة القرآن، والذِّكر والاستغفار.

• عُمَّار المساجد شعارهم: ((خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه)).

• تعهَّد المأمومين بالكلمات التوجيهيَّة والمواعظ الإيمانيَّة.

• النشرات الدعوية، ووضْع اللصقات الإرشادية، مع الترتيب والتجديد؛ جمالاً للمسجد، وتوعيةً للمُصلِّين.

• تعليم الجاهل، وتوجيه الصغير، والتلطُّف مع الكبير شعار المؤمنين.

• احترام المساجد والالتزام بآدابها، نابعٌ من استشعار الوقوف أمام الله - سبحانه وتعالى.

• من أعظم عمارة بيوت الله - سبحانه وتعالى - بَذْل الجُهد والمال والعلم؛ دعوةً، وتعليمًا.

 

دعوة في رحاب المدرسة:

• ابحثْ عن خشية الله - سبحانه وتعالى - في قلبك؛ ليَصْدُق عليك قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].

• هنيئًا لمعلِّم الناس الخيرَ، وأعانه الله - سبحانه وتعالى - على ثِقَل الأمانة، ونَشْر ميراث النبوَّة.

• العلم يصدِّقه العمل، ولا خيرَ في علم على ورقٍ إذا لَم يشعَّ نورًا في وجهك، وتتشبَّع به رُوحُك وجوارحُك.

• القدوة ضالتُك، والقِيم السامية ثروتك، فلا ثروة بلا قيمٍ، ولا تأثير دون أن تكون قُدوة.

• خاطِب قلوب الطلاب قبل عقولهم؛ فإذا وقَر الحديث في القلب، وعاه العقل بيسرٍ وسهولة.

• أدِّبهم وعلِّمهم في جوٍّ أبوي إيماني، تكن معلِّمًا ناجحًا، وداعية موفَّقًا.

• تعرَّف على مشكلاتهم، وبادِرْ في حلِّها، وترفَّق في مخاطبتهم وإرشادهم.

• كنْ صادقًا، يَصْدُق تلاميذك، وإيَّاك والكذب؛ فإنه آفة تَخدش مكانة العلم وجمال المعلم.

• شجِّع المتفوقين، وانْشُر الحماس بين الحاضرين، وتجاوَزْ عن المُقصِّرين، وتعهَّدهم بالتذكير.

• لسانك بالعلم يسمو؛ فلا يَلهجنَّ بسوءٍ، أو يمضِيَنَّ بما لا يَليق، وأكْرِم نفسك بالترفُّع عن سقطات الجاهلين.

• خُلُق المعلم والطالب دعوة عمليَّة للمعلمين والطلاب.

• أنْصِت بقلبك، وكنْ سبَّاقًا للعمل.

• تعاوُنك مع الأخيار ونَشْر الإخاء هي الأرض الخِصبة للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى.

• تحلَّ بمكارم الأخلاق، واشْمَخْ بإيمانك، واجْتَهد في دراستك، واسشعِرْ عِظَم العلم ومكانته.

• اخْفِض صوتك، وغُضَّ من طرْفك، واجْعَل بينك وبين مَن حَوْلكَ سَمْتَ الاحترام.

• إيَّاك والغشَّ، وحافِظ على الانضباط، وتعهَّد درسك بالمذاكرة، وزملاءَك بالنصيحة، ومُعلِّمك بالشكر والامتنان.

 

الدعوة أسس ومبادئ:

• الحرص على هداية المدعوين، ومراعاة أحوالهم من أعظم مبادئ الدعوة.

• التأصيل العلمي والإلمام بالتعاليم الإسلاميَّة المراد بلاغها.

• التعامل مع المدعوين بما يتناسب مع مكانتهم وبيئتهم: تعليمًا، تربيةً، حديثًا، مُلاطفةً، حُجَّةً.

• التجديد والتنويع في الوسائل والإمكانات الدعويَّة؛ فنحن أحقُّ بتزيين الحقِّ من أهل الباطل بباطلهم.

• الأقربون أوْلَى بالمعروف، وأسْمى المعروف الدعوة والتعليم؛ فابدأ بمن تعولُ، ثم الأقرب، فالأقرب.

• من إتقان الدعوة التنويع والإبداع بالوسائل المتاحة، بالقلم واللسان، والنَّظم والبيان.

• مُراعاة الأولويَّات الدعوية، وخصوصًا الجوانب العَقَديَّة.

• على الداعية البلاغ وعدم استعجال النتائج، ولنا في الأنبياء - عليهم السلام - أُسوة حسنة.

• الكتاب والسُّنة وهَدْي سلف الأمة، وتقوى الله زاد الداعية، والصبر بداية النجاح.

• الدعوة مهمة المسلمين كافة؛ مصداقًا لقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ((بلِّغوا عني ولو آية)).

 

فى بيتنا داعية:

• قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].

• نادى الرحمن - سبحانه وتعالى -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

• بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته)).

• المجتمع بيتي وبيتك، فإذا أصْلَحنا بيوتنا، أشرَق المجتمع صلاحًا وإيمانًا 

• اغْرِس التربية الإيمانية في قلوب أبنائك؛ لترى الحصاد عزَّة وشموخًا.

• ضَعْ برنامجًا دعويًّا في أرجاء البيت: بحِلَق بالقرآن والحديث، والفقه والسيرة والأدب.

• أنت مرآة أبنائك؛ فكنْ قدوة حسنةً لهم.

• من الحلال أطعمْهم، وبالدين قوِّمهم، وبالعلم جمِّلهم، وإلى مكارم الأخلاق أرْشدهم وعلِّمهم.

• اجْعَلهم بالدين أعزَّاء، وعلى طريق الحق يمضون، وعلى الله - سبحانه وتعالى - في كل حين يتوكَّلون.

• كنْ لهم أبًا وأخًا، ومُعلِّمًا ومُربِّيًا، وإيَّاك وتضييعَ الأمانة؛ فهم أمانة في عُنقك.

• سَلْ عن صلاتهم، وكيف هي هَيْئتهم، وماذا عن أعمالهم؛ لتعلمَ نتيجة التربية وثمرة الجُهد.

• بالصدق عامِلهم، وبالمحبة وجِّههم، وبالرأفة واللين تعهَّدهم، ولا تَبخلْ عليهم بوقتك وجُهدك ومالك.

• اجْعَلهم من رُوَّاد حلقات التحفيظ، وأزِلِ الشوك عن طريقهم، وارْفَع الجهل عنهم، وازْرَع خشية الله في قلوبهم.

• أدِّبهم بالقرآن، واجْعَل قلوبهم مُعلَّقة بالجِنان، وتعهَّدهم بسيرة خير الأنام -صلى الله عليه وسلم- والصَّحب والسلف الكِرام.

• احْرِص على الزوجة أو الزوج المناسب لفلذات أكبادك؛ فإنه من الأمانة أن تودِعَهم مكانًا آمنًا، ومَقرًّا بالإيمان مُطمئنًّا.

• ليكن الاحترام تاجًا على رؤوسهم، ومحبَّة الناس شعارهم، ومَرضاة الله غايتهم، وسُنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- سبيلهم.

 

داعية في عمله:

• استشعِر رقابة الرحمن: ﴿ {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 105].

• اعْمَل بوصيَّة خير الأنام -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ الله يحب إذا عَمِل أحدكم عملاً، أن يُتقنَه))؛ صحيح.

• القوة والأمانة جناحَا العمل؛ فحافِظ عليهما.

• أرْشِد العاملين لكلِّ خير، وأخْلِص في انتشالهم من الخطايا والآثام.

• ترفَّع عن سقط الكلام، واخْتَرْ لنفسك صفات الكرام، تَنَلْ محبَّة واحترامًا.

• لتكنْ ليِّنًا في سماحة، قويًّا في حِكمة، مُشفقًا في نصيحة.

• من شِيَم الكرام التجاوز عن الهَفوات، فغُضَّ طرْفَك عن عَثراتهم، واعْمَل على إنقاذهم إلى النور والأمان.

• لا تُفارق ابتسامتُك مُحيَّاك، وارْفُق بالمراجعين؛ عملاً بوصيَّة خير المرسلين - صلى الله عليه وسلم.

• أفشِ السلام، وطَيِّبْ بذِكر الله الكلام، وقمْ بعملك على أكمل وجْه وأحسن نظامٍ.

• كتاب وشريط ورسالة، تَلِج إلى قلوب العاملين، وتُذلِّل طريق الدعوة.

• كنْ مثاليًّا في سَمْتك، إيجابيًّا في عملك، حريصًا على شعور زُملائك، باسطًا كفَّ التوجيه والإرشاد للجميع.

 

حكمة الداعية:

• عمود الدعوة وإحدى ركائزها الأساسية.

• أمَر بها الرحمن، وتمثَّلها عملاً وخُلقًا سيِّدُ الأنام - صلى الله عليه وسلم.

• هي السحر الحلال، وهي تاج على رؤوس الدُّعاة، تزيِّن دعوتهم، وتحقِّق أهدافهم.

• تأسِر قلوب العُصاة، وتُعيد الأمل في نفوس المدعوين.

• مصباح الدعوة المضيء، ونَهْج الكتاب والسُّنة المُشرق.

• أسلَمَ بها الكافر، واسترشَدَ بها الضالُّ، وقَوِيَتْ بها الدعوة، وبلَغت ذِروتها.

• سبيل الأنبياء، وزاد الدعاة الأتقياء.

• رُوح الدعوة وعنوان بقائها.

• مطلب المدعوين وضالتهم التي عنها يبحثون.

• خُلُق نبيل، وحِسٌّ إسلامي جليل.

 

لسان الداعية:

• يَنطق في مرضاة الله ويَلهج بذِكره - سبحانه وتعالى.

• يسمو عن كلِّ دانٍ، ويرتقي إلى المعاني الحِسان.

• نَثْره حقٌّ واضح، وشِعْره نَظْمُ المُشفق الناصح.

• يدور مع الإسلام حيث دار، يدعو إليه بكلِّ بلاغة واقتدار 

• بالحكمة مُزدان، بديع النظم، ناصِع البرهان.

• باللين يتغلغل هدًى ونورًا في قلوب المدعوين.

• إذا حدَّث صدَق، وبمجامع الكَلِم نطَق.

• تُحيط بحروفه صِدق النصيحة، ونصيحة المُشفق، وإشفاق المخلص، وإخلاص الداعية.

 

دعوة في السيارة والسوق:

• اجْعَل مسيرك في رضا الرحمن، واقطَع الطريق بالذِّكر والقرآن.

• غذِّ قلبك بالإيمان، واستمِع لأشرطة من حديثٍ وآداب وقرآن.

• سِرْ على بركة الله في تُؤَدَة وهدوءٍ، وإيَّاك والعجلةَ؛ فإنها من الشيطان.

• كنْ قدوة في الْتِزَامك بقواعد المرور؛ فإن فيها السلامة لك - بإذن الله - واحترام الآخرين.

• ادْعُ إلى الله في كل حين، وقدِّم التوجيه والشريط الدعوي هديَّة إلى المُقصِّرين.

• كنْ على يقظة وانتباه، واتَّقِ الله؛ فإن شرودَ الذِّهن واللامبالاة بوابة الهلاك.

• اقضِ حاجتك من الأسواق في عجلٍ، واعلم بأنها شرُّ البقاع إلى الله.

• سبِّح الرحمن تسبيحًا، وكبِّره تكبيرًا، وكنْ نورًا يضيء السوق بالذِّكر والإيمان.

• لا تَدَعَنَّ منكرًا إلاَّ أنْكَرته، ولا معروفًا ألا أسْدَيتَه، بالحِكمة والموعظة الحسنة.

• إيَّاك ثم إياك وإطلاقَ النظر في النساء، واتَّقِ الله وغُضَّ الطَّرْف؛ فإنك بذلك مأمور، وعن الحرام منهيٌّ ومَزجور.

 

لا تَنسَ الدعوة في الطريق:

• إماطة الأذى عن الطريق صدقة؛ فتصدَّق على نفسك.

• غَضُّ البصر وكَفُّ الأذى من حقِّ الطريق؛ فأعطِ الطريق حقَّه.

• أفشِ السلام، وشَمِّت العاطس، وتمثَّل بالخُلق النبيل.

• كنْ بالمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولفضائل الأعمال آتيًا.

• أرْشِد الضال، وانصَح العاصي، وساعِد المحتاج.

• لتكنْ قافلةً دعوية تعمُّ بنَفْعها المجتمع.

• بالحِلم والصبر والابتسامة تَصِل إلى قلوب الآخرين.

• تذكَّر أنَّ الله - سبحانه وتعالى - معك دائمًا؛ فلا تَخْطُوَنَّ إلاَّ إلى خير؛ ليُكتَب ذلك في ميزان حسناتك.

• اجْتَنِب نهي الرحمن؛  {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37].

 

وفي تجارتك يجب أن تكون داعية:

• مَن غشَّنا، فليس منَّا؛ فراقِب الله، يُبارك لك في تجارتك.

• رَحِم الله رجلاً سَمْحًا إذا باعَ، وسَمْحًا إذا اشترَى.

• النُّصح لكل مسلم ضَعْه نُصب عينيك.

• القناعة كَنز لا يَفنى، وما عند الله خير وأبقى.

الزكاة نماءٌ لمالك، والصدقة تَزيد من أموالك.

• اطْلُب تجارتك بالكسب الحلال، وإيَّاك أن تتَّجِرَ بالحرام؛ فأيُّما جسَد نبَت من سُحت، فالنار أوْلَى به. 

• لا تَدَعَنَّ أحدًا بحاجة إلى التوجيه، إلاَّ وجَّهته بحِكمة ممزوجة رحمةً وأدبًا.

• الإخلاص لله - سبحانه وتعالى - والمتابعة لأشرف الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم.

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

  • 19
  • 0
  • 72,856
المقال السابق
(3) الغلام والملك
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً