التعرض إلى رحمات الله ونفحاته حتى الدخول إلى الجنان (1)
عبد الفتاح آدم المقدشي
الدخول إلى رحمة الله معناه الدخول في هداية الله، والدَّخول إلى رحمة الله معناه الدخول إلى رضوان الله لمن أتمَّ الله عليه النعمة ورزقه ديناً كاملاً واستقامة تامَّة.
- التصنيفات: التصنيف العام - الحث على الطاعات -
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير} [الشورى:8 ].
وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31].
لقد جرت سنة الله في خلقه أن لا يجعل الناس أمة واحدة وملة واحدة بل أن يدخل من يشاء في رحمته بتوفيقٍ منه ونور يرزقه من يشاء من عباده كما قال سبحانه {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والدخول إلى رحمة الله معناه الدخول في هداية الله، والدَّخول إلى رحمة الله معناه الدخول إلى رضوان الله لمن أتمَّ الله عليه النعمة ورزقه ديناً كاملاً واستقامة تامَّة.
والدخول إلى رحمة الله معناه الدخول إلى نور الإيمان فينظر المرء – بحمد الله ومنته وتوفيقه - الأمور بنور الله كما يُري الناس بهذا النور العظيم فهو نور على نور مببدلدياجير الحوالك ومنير لظلمات الجهالاتالتي لا تنتهي بحدٍ أبداً.
كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53 ].
وإنما يُنال هذه الرحمة بعد توفيق الله ومنته بما يلي:
أولا: الإيمان بآيات الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقاداً وعملاً وقولاً.
ثانيا: تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن.
ثالثا: التطبيق العملي لهذ الدين بالكامل سواء كان ذلك بالإيمان والتقوى أو بغيره من الاعتقاد الصحيح والعبادة القويمة والخلق المستقيم.
رابعا: اتباع الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم مع تبجيله وتعزيره ونصره.
وهذه المعاني مأخوذة من قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157 ].
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [آلنساء: 66- 70].
إذا ستجد إن فعلت ما يوعظك الله به أولا: الخير وثانيا: أشد التثبيت وليس بمجرد تثبيت فحسب وإنما هنا كما ترى أشد التثبيت وثالثا: الأجر العظيم من لدن ربنا رابعا: الهداية على الصراط المستقيم خامسا: أن يجعلك الله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وما أحسن الرفقة بأولئك الأشراف الكرماء إذا فلا تستوحشن من قلة السالكين في هذا الدرب العظيم إلى الله مادام أنت متشبثٌ بالحق عاضٌ به بنواجذك كما قال تعالى {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}ثم قال تعالى {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}.
فيا عبد الله اسمعني أنا الآن أهمس في أذنك لأقول لك: ماذا تريد بعد هذا الفضل العميم والرحمة من الله تعالى؟! اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
ولكن هنا لطيفة في آية سورة الأعراف وهي أن الله سبحانه وعد أن يكتب رحمته الواسعة للمتقين وهي من أعمال القلوب الباطنة ثم قال ويؤتون الزكاة وهي من أعمال الجوارح الظاهرة ولكن أقول: لماذا اختار الله إيتاء الزكاة من دون سائر الأعمال الظاهرة الكثيرة والجواب كالتالي:
أولا: أن إيتاء الزكاة يبعث في القلوب رحمة ورأفة للخلق خصوصاً إذا كان المرء يرفقها من وراءها التقوى وأمامها الإيمان بآيات الله.
ثانيا: أن الزكاة تطهير للقلوب من درن الشح الذي يسبب القساوة ثم سفك الدماء ونهب الأموال.
ثالثا: فيه لفت للانتباه لهذه الفريضة العظيمة التي قد تساهل بها كثير من الناس، ولما لم يرحموا إخوانهم وضنوا بأموالهم أمسك عنهم رحمته ففي الحديث الذي رواه ابن ماجة رحمه الله «وما منعوا زكاة أموالهم إلا مًنعوا القطر من السماء».
إذا فاعلم أن من فعل هذه الأمور المذكور أعلاه فقد فاز وأفلح وسيكتب الله له الرحمة التي من ظفر بها في هذه الدنيا أنعم الله عليه كما سيجد أعظم رحمات الله فيالبرزخ والبعث والحشر في عرصات يوم القيامة والميزان والصراط لكون رحمت الله سبقت غضبه كما جاء في الحديث الذي ثبت في الصحيح وفي رواية غلبت غضبي وكما جاء في حديث آخر رواه أبو هريرية رضي الله عنه «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» (رواه الشيخان ورواة آخرون ورحمة الله على الجميع).
بل سمَّى الله الجنة نفسها رحمة وفضل من الله كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174- 175].
أما كيف يُنال هذا البرهان وهذا النور فقد أشارالله في الآية التي بعدها أنه الإيمان بالله والاعتصام به.
والله ولي التوفيق