من مقامات النبوة - دلائل النبوة (12)

منذ 2018-03-06

من المعجزَات التي أيده الله بها، أن المشْركين سأَلوه أن يريهم آية، فأراهم القَمَر، فانشَق حتى صار فرقَتيَن نصفَه على جبَل أبي قُيس ونصفَه الآخر على الجبَل الذي أمَامه

دلائل النبوة (12)

في كلام الله وإعجازه غُنية عن كل آيَة وكرامة، ومع ذلك فقَد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات وآيات بهَرت كل من رآهَا، ثبتت بها الأخبَار، ونقلها الصحابَة الأخيار رضي الله عنهم، ومما ورد مما صح به النقل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفْيَح، فذهب رسول الله يقْضي حاجَته، فلم يَر شَيئاً يستَتر به، وإذا بشَجَرتين في شَاطئ الوَادي، فانطَلقَ إلى إحدَاهما فأخَذ بغصن من أغصَانها، فقال: "انقَادي علي بإذْن الله" فانقَادَت معه كالبَعير المخْشُوش – سريْع الانقيَاد – الذي يصانع قائدَه، حتى أتى الشجَرة الأخْرى فأخذَ بغصْن من أغصَانها، فقال: "انقَادي علي بإذن الله" فانقَادت معه كذَلك، حتى إذا كان بالنصْف مما بينهمَا  قال: "التَئما علي بإذن الله"، فالتَأمتَا، فجلسْت أحدث نفسِي، فحَانت مني التفَاتة، فإذا برسول الله مقبِلاً، وإذا بالشجَرتين قد افتَرقتَا كل واحدة منهما على سَاق!! [1].

 

ومن المعجزَات التي أيده الله بها، أن المشْركين سأَلوه أن يريهم آية، فأراهم القَمَر، فانشَق حتى صار فرقَتيَن نصفَه على جبَل أبي قُيس ونصفَه الآخر على الجبَل الذي أمَامه [2]، وهو المرَاد بقوله سبحانه "اقترَبَت السَّاعة وانشَق القمر" ونبَع الماء من بين أصَابعه غير مَرة، وسَبح الحصَى في كَفه، ثم وضعَه في كَف أبي بكر، ثم عمَر، ثم عثمَان فسبَح، وكانوا يسمَعون تسبيْح الطعَام عنده وهو يؤكَل، وسلم عليه الحجر والشجَر ليالي بعِث، وكلمَته الذراع المسمُومة، وأصيبَت رجْل عبد الله بن عتِيك الأنصَاري، فمسَحهَا فبرأَت من حينهَا، وأخبر أنه يقتُل أبي بن خَلف في أحُد، فخدشه خدشَاً يسيراً فمَات، وأخبر يوم بَدر بمصَارع المشرِكين فقال: "هذا مصْرع فلان غداً إن شَاء الله، وهذا مصْرع فلان" فلم يعْد واحد منهم مصْرعه الذي سمَّاه، وأخبر أن طوَائف من أمته يغزُون البحْر، وأن أم حَرَام بنت مِلحَان منهم، فكَان كما قال. وقال لعثمَان: "إنه سيُصيبُه بلوَى" فقتِل. وأخبر بمَقتل الأسْود العنسي الكَذاب ليلة قُتل وبمن قتله وهو بصنعَاء اليمَن، وبمثل ذلك في قتل كسْرى، ودعا لأنَس بن مالك بطول العمُر وكثرة المَال والولَد، وأن يبارك الله له فيه، فولد له مائة وعشرون ذَكراً لصُلبه، وعَاش مائة وعشْرين سنة. وكان عُتبة بن أبي لهَب قد شق قميصَه وآذاه، فدَعَا عليه أن يسَلط الله عليه كلبَاً من كلابه، فقتَله الأسَد بالزرْقاء من أرض الشَّام، وشكي إليه قحُوط المطَر وهو على المنبَر، فدعا الله عز وجل، وما في السَّمَاء قزَعَة فثَار سحاب أمثَال الجبَال، فمُطروا إلى الجمعَة الأخْرى، حتى شكي إليه كثرة المطَر،  فجعل لا يشِير للسحَاب إلى ناحية إلا ذهَب إليها، وأطعم الله أهل الخندق – وهم ألف – من صَاع شعير وبهيمَة، فشبعوا وانصرفوا والطعَام أكثر مما كان، وكان نائمَاً في سَفَر، فجَاءت شجَرة تشُق الأرض حتى قامَت فلما استيقَظ ذكرت له فقَال: "هي شَجرَة استأذنَت ربها أن تسَلم على رسول الله فأذن لها" ومسَح ضرْع  شاة حَائل لم ينزُ عليها الفحل، فحَفل الضَّرع فشرب وسقَا أبا بكر، وبدَرت عَين قتَادة بن النعمَان حتى صارت في يده فرَدها، فكانَت أحسَن عينيه وأحَدهما، وتفَل في عيني علي بن أبي طالب وهو أرمَد فبرأ من سَاعَته، وأطعَم في منزل أبي طلحَة ثمانين رجُلا من أقرَاص شعير جعَلها أنس في إبطه، حتى شَبعوا كلهم، ثم رَد ما بقي فيه.

 

ورمى الجَيش يوم حنين بقبضَة من تراب، فهزمَهم الله –عز وجل– وقال بعضُهم: لم يبق منا أحَد إلا امتَلأت عينَاه ترابا وفيه أنزَل الله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وكان هنَاك رجل أعرابي في البَادية عند غنَمه فهجَم ذات يوم الذئْب على الغَنَم فأخذ شَاةً، فلحقه الراعي فأخذها منه، فأقعَى الذئب على ذنَبه  وقال: أتحرمُني رزقاً ساقه الله إلي!!  فقال الرَّاعي: واعجَباً ما رأيت  كاليوم ذِئب يتكَلم بكَلام الإنْس!! فقال الذئب: ألا أدلك على أعجَب من ذلك؟ فقال الراعي: بلى، فقال: رجُل بيثْرب يخبر الناس خَبر الأمَم السابقَة، فأتى الراعي فدخَل المسْجد فأسلم ونطَق بالشهادتين، وحَدثه بقصة الذئب، فأمرَه  النبي عليه الصلاة والسلام أن يقُوم على المنبَر فيحَدث بها الصحَابة، فقَام وأخبرهم به [3]، وله صلى الله عليه وسَلم معجِزات باهِرَة، ودَلالات ظَاهِرة، وأخْلاق طَاهِرة، أكثر وأعظم مما ذكرت، اقتصَرت على ذكر بعْض منها، وقديما قيل: حسْبك من القِلادة ما أحَاط بالعُنُق.

 

بقلم/  نايف بن محمد اليحيى.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أخرجه مسلم (3012).

 [2] أخرج البخاري بعضه (6 / 142)، وأحمد (27 / 314).

 [3] الأحاديث السابقة مما حسن إسناده أهل العلم أو صححوه، ولم أخرجها لئلا تكثر الحواشي، ينظر: "دلائل النبوة" و "صحيح السيرة النبوية" و "أعلام النبوة".

  • 2
  • 0
  • 4,851
المقال السابق
رحمة للعالمين (11)
المقال التالي
أخرجني الجوع (13)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً