القيادة الضعيفة مصيبة على الأمة

منذ 2018-03-11

الحقيقة أن الخليفة المستعصم هو المسؤول الأول عن سقوط بغداد وعن كل ما حدث من بداية خلافته، وخطر المغول بجانبه وهو لا يُبالي.

القيادة الضعيفة مصيبة على الأمة

المستعصم السبب الأول لسقوط بغداد، الصيام والصلاة لنفسك والقوة للأمة.

عندما أراجع أحداث التاريخ يستوقفني ويؤلم قلبي بشدة سقوط بغداد، وما حدث من مذابح رهيبة للمسلمين على يد التتار فيها

وقد استوقفني أن كثيرًا من الكتّاب يُرجعون سقوط بغداد للعلقمي الرافضي الخبيث وحده، ويجعلون نصيب الخليفة ضعيفا من اللوم.

وتشعر أن بعضهم يريد ستر مسؤولية الملوك الفجرة اليوم عن ما يحدث من مصايب للمسلمين، ويريد تحميل الشيعة كل شىء، وهو استغفال متعمد.

ولا يُنكر أن مشورة العلقمي كانت سببًا لمصايب، ولكن من صاحب الأمر؟ إنه الخليفة، ولكنه شخصية ضعيفة مُغفّلة، والخليفة هو الذي اختار ابن العلقمي وزيرا رغم أنه رافضي والخليفة سني.

الحقيقة أن الخليفة المستعصم هو المسؤول الأول عن سقوط بغداد وعن كل ما حدث من بداية خلافته، وخطر المغول بجانبه وهو لا يُبالي.

قال ابن كثير عنه: كان فيه لين وعدم يقظة (يعنى ضعيف ومغفل)، رغم أنه قال أنه كان يحفظ القرآن ويحافظ على الصلاة، وهنا مربط الفرس في اختيار القيادة، فصلاح الأشخاص لأنفسهم أما قوتهم وشجاعتهم ويقظتهم فهي للأمة

والعجيب ما ذكره المؤرخ اليونيني عن اختيار المستعصم خليفة حيث قال"كان للمستنصر بالله أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشهامة والشجاعة وكان يقول: إن ملكني الله تعالى أمر الأمة لأعبرن بالعساكر نهر جيحون، وأنتزع البلاد من يد التتر، وأفنيهم قتلاً وأسراً وسبياً؛ فلما توفى المستنصر بالله لم ير الدوادار والشرابي (وكانا غالبين على الأمر) ولا بقية أرباب الدولة تقليدَه الخلافة؛ خوفاً منه، ولما يعلمون من استقلاله بالأمر، واستبداده بالتدبير دونهم، وآثروا أن يليها المستعصم بالله؛ لما يعلمون من لينه وانقياده؛ ليكون الأمر إليهم. فاتفق رأي أرباب الدولة على تقليد المستعصم بالله الخلافة بعد أبيه؛ فتقلدها واستبدوا بالتدبير".

وهنا وقفة مهمة تشير إلى نقطتين:

الأولى: وجود خيانة للأمة في ترقية شخص ضعيف للخلافة واستبعاد القويّ اليقظ الشجاع وسط طبول حرب تُدقُّ من المغول.

الثانية: وجود مراكز قوى في الدولة تعمل لمصلحتها فقط ولا تراعي مصلحة الأمة مطلقا (وهو نموذج متكرر حيث يتم تولية من له ظاهر صلاح ولكنه ضعيف لتسيطر عليه الجماعة أو مركز القوى) وكلتا النقطتان ما زالت حتى الآن متكررة فى تولية الحكام.

والعجيب أن الناس في بغداد كانوا يرون خطورة المغول القريبة من الحدود واقترابها، خصوصا مع حمْلة المغول العسكرية التي خرجت من عاصمتهم سنة 651 هـ/1253 م، إلا أن هذه الحقيقة التي رآها الجميع غفل عنها رأس الدولة الخليفة الغافل الغارق فى الكسل والبلاهة.

يؤكد ذلك المؤرخ المعاصر للأحداث ابن الطقطقى في كتابه «الفخري»: "في آخر أيّامه (المستعصم) قويت الأراجيف (الشائعات) بوصول عسكر المغول صحبة السّلطان هولاكو فلم يحرّك ذلك منه عزما، ولا نبّه منه همّة، ولا أحدث عنده همّا، وكان كلّما سُمع عن السّلطان (هولاكو) من الاحتياط والاستعداد شيء ظهر من الخليفة نقيضه من التّفرط والإهمال، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك، ولا يعرف هذه الدّولة حقّ المعرفة... وما زالت غفلة الخليفة تنمي ويقظة الجانب الآخر تتضاعف".

نموذج المستعصم نموذج متكرر، تجد الحاكم غافلًا لاهيًا ضعيفًا، والخطر يحيق وهو لا يهتم إلا بنفسه فقط ولا يبالي بمصلحة المسلمين، الشعب والوطن.

ومن أشد مواقف الخيبة التى تكررت حتى اليوم قول المستعصم: "لا خوف من المستقبل؛ لأن بيني وبين هولاكو خان وأخيه منكو قآن روابط ودية، ومحبة صميمية لا عداوة ونفرة، وحيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني ويميلون إليّ، وأحسب أن الرسل قد بلّغوني عنهم كذبًا، وإذا ظهر خلافٌ فلا خشية منه؛ لأن كل الملوك والسلاطين على وجه الأرض بمنزلة جنود لنا".

هل يُعقل هذا الكلام والمغول اجتاحوا الأرض حوله وقتلوا وسفكوا ودمروا بلاد المسلمين؟

وتتشابه تلك الغفلة مع غفلة كثير من الحكام واعتمادهم على دفع الجزية للأمريكان وسجودهم للنظام الدولي وأيضا عند القادة الإسلاميين وبلاهة تعاملهم مع الطغاة والعسكر. 

ويؤكد ابن كثير فى البداية والنهاية قمة الغفلة للمستعصم عند سقوط بغداد فيقول«وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت «تلعب» بين يدي الخليفة وتُضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى «عرفة»، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي «ترقص» بين يدي الخليفة؛ فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعًا شديدًا، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم». فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!» هل يَتخيّل عاقلٌ أن حاكمًا يرى العدو قد أحاط بالحكم للاستيلاء عليه وهو يزيد الستائر فقط؟!

وهو نموذج لبعض قادة الإسلاميين الذين تُحيط بحكمهم أو جماعتهم الخطوب الشديدة، ويُبادون قتلا وتشريدا فلا يهتمون إلا بالشكل السياسي أو الإعلامي الذي لا يُسمن ولا يُغنى ولا ينفع.

ورغم أن الأتابك دويدار الصغير والقائد العسكرى سليمان شاه أشاروا على المستعصم بالإعداد للجهاد وأنهم مستعدون للشهادة والجهاد وإعداد الجند وأن المغول لا عهد لهم، إلا أنه أخذ برأي العلقمي وذهب ذليلا للتفاوض مع هولاكو

هل ضربه العلقمي لإكراهه على التفاوض؟ لا، إنما ضربته الغفلة والضعف والخور وعدم الصلاحية، فكان جزاؤه قتل أولاده أمام عينه ووزرائه والشيوخ وسقوط الخلافة وبغداد ليشهد بحسرة وألم نتيجة ضعفه ثم ميتة بشعة مهينة بالرفس بالأرجل والخنق وإلقاء جثته فى النهر.

وفى الختام:

فى حياة الأمم أحداث ولحظات فارقة، إن لم تكن القيادة على قدر المسؤولية تسببت فى مصايب للأمة وسقطت ألف بغداد، 
ليس بسبب ابن العلقمي وحده ولكن لأن القيادة لا تصلح.

  • 6
  • 1
  • 5,093

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً