عند رؤية المعصية
مدحت القصراوي
لا بد من استحضار حقيقة أن الغيب لله تعالى.. وأن ما وصل الى قلبك قد يصل لقلوب آخرين، ويفتح الله للحق آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غُلفا، ثم قد يقفون بجوارك في الصف يوما، بل قد يصْدُقوا أكثر منك ويسبقوك.
- التصنيفات: التصنيف العام - الحث على الطاعات -
1) عند رؤية المعصية يقف البعض بارد المشاعر لا ينكِر، ولا يستنكر قلبه، ولا يتمعّر وجهه غضبا لله.. لا يعرف قلبه المعروف ولا ينكر المنكر.. وهذا باب خطير لا يقف هنا بل ينزلق الإنسان بعيدا.. فقد يتجرأ هو عليها أو يستحلها ولو لم يرتكبها بنفسه؛ إلا أن يدركه الله برحمته.
2) والبعض يستنكر المعصية ويرفضها.. ولكن قد يتجاوز ما أمر الله تعالى.
فالأول يقصر عما أمر الله.. والثاني قد يتجاوز فيعتدي بما لم يأمر الله تعالى به.
ولهذا كان الدعاء {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} الأول للتقصير والثاني للتعدي.
3) وضبط الأمور أنه عند رؤية المعصية لا بد من (اجتماع عدة تعبدات)، قد تظن لوهلة أنها لا تجتمع! بينما اجتماعها في قلبك ومواقفك وتصرفاتك أمر واجب.
1. فينبغي كراهة المعصية واستنكار القلب لها، والبراءة منها {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} .
2. كما ينبغي في مقدمة الأمور ألا تتلوث بشيء منها ولا تقع فيها ولا في طرف منها، والحذر على التطهر «وثيابك فطهِّر»، والمقصود بالثياب هنا النفس.
3. وكما ينبغي الحذر من تلوث القلب بالمعصية وأن يعلَق به شيء، أو تتدنس النفس به؛ فكذلك ينبغي الحذر من أن تتدسس من المعصية حلاوةٌ أو رغبةٌ الى قلب من ينكرها، في غفلة منه.
4. أوجب تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحسب القدرة.
5. كما ينبغي الحذر من الإفراط في القسوة، والتعدي عما أمر الله، فالله تعالى الذي أمر بإنكار المعصية أوضحَ طرق إنكارها وضوابطها.. والتعدي في الإنكار قد يوهم بخلل في القلب.. كمن يتعدى في الإنكار على المتبرجة فيوهم بطمع في قلبه، أو على أصحاب الأموال الحرام فيوهم برغبته فيه كذلك لكن لم تأت فرصة لهذه الشهوة أو لتلك.
6. كما يجب الجمع بين أمرين:
فكما أمر الله تعالى بكراهية المعصية، وكراهية صاحبها بقدْرها بحيث لا يتجاوز ما أمر الله في شأنه.
كذلك يجب معها رحمة المخلوق، وإن كان عاصيا.. فالتمسك بالحق وبغض المخالَفة لا يعني تجاوز الحد بالقسوة على الناس أو احتقارهم وازدراءهم.. خوفا أن يكون للنفس نصيب، وخوفا أن يعاقَب العبد إن تجاوز حده بأن تتبدل المواقف فيضل المنكِر ويهتدي صاحب المنكَر كمن قال «والله لا يغفر الله لفلان» فتبدل الموقف..!
لا بد من استحضار حقيقة أن الغيب لله تعالى.. وأن ما وصل الى قلبك قد يصل لقلوب آخرين، ويفتح الله للحق آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غُلفا، ثم قد يقفون بجوارك في الصف يوما، بل قد يصْدُقوا أكثر منك ويسبقوك.. فضع هذا في حسابك، وارْجُ لهم هذا اليوم؛ فمن التعبد أن يرجو قلبك لهم الخير وأن يُفتح لهم الطريق.
7. ثم العمل من أجل إقامة هذا الدين وقمع شياطين الإنس والجن وإذلالهم وتنحيتهم عن طريق الناس حتى تنفتح الطريق أمام القلوب، وتُرفع الحواجز بينها وبين الهدى.
8. التوكل على الله تعالى في هداية قلوب الخلق وإيصال الخير لهم ونجاح العمل من أجلهم وبلوغ الدعوة اليهم وانشراح صدورهم له وفتح قلوبهم لندائه.. فالتوكل هنا أمر عظيم.. يقول ابن القيم رحمه الله أن الصحابة توكلوا على الله تعالى في هداية الخلق ففتح الله لهم القلوب والبلاد، ودانت لهم الأرض واستقر الإسلام على أيديهم في مشارق الأرض ومغاربها.
9. الدعاء لهذه الأمة وعصاتها مع التوكل.. وانتظار فيْء الجموع.. ألا إنها ستفيء إن شاء الله تعالى فالإسلام نداء أصيل، تعرفه الفطرة، ويوما ما ستُصغي له القلوب.