اللحظة الفارقة
إياد قنيبي
من يؤمن بالله بأسمائه وصفاته، وأنه تعالى العليم الحكيم لا يُقَدِّر شيئاً إلا لحكمة بالغة، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ...ثم يشغل نفسه بواجبه، فإن الله يهدي قلبه: يُسَكِّنه ويُطَمْئِنه.
- التصنيفات: التصنيف العام - الطريق إلى الله -
من أعظم نعم الله عليك أن يوفقك للخيار الصحيح عندما ترى أمامك ظلماً أو شراً.
كثيرٌ من الناس تكون ردة فعله: التساؤل المتشكك: (لـماذا قدَّر الله لهذا الظلم والشر أن يحصل؟!)
والنتيجة: سوء ظنٍّ بالله، قهر، انكسار...فيصبح المتشككُ الذي أساء الظن بربه: همَّاً جديداً يُضاف إلى الوجود، وسبباً آخر من أسباب استفحال الظلم والشر!
أَمَّا إنْ وفقك الرحمن، فستكون ردة فعلك: (ما دوري أنا؟ كيف أقدم ما أستطيع لرفع الظلم ودفع الشر؟)..وحينئذٍ، فعلى قدر الظلم والشر ستمتلئ نفسك هِمَّةً –لا هَمَّاً-...وسترى من ربك عز وجلَّ عجباً! ستصبح أنتَ مُتنزَّل رحمته بالمظلومين: من خلالك يخفف معاناتهم ويمسح دمعتهم ويجبر كسرهم..
سترى لكلامك وأفعالك أثراً طيباً لم تتوقعه، وبركة لم تتصور أن تكون! لأنك لم تسمح للشيطان أن يشغلك بالشك في حكمة ربك ورحمته، بل انشغلت بواجبك أمام أقدار العليم الحكيم سبحانه، فأنجز الله لك وعده إذ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة التغابن].
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: من يؤمن بالله بأسمائه وصفاته، وأنه تعالى العليم الحكيم لا يُقَدِّر شيئاً إلا لحكمة بالغة، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ...ثم يشغل نفسه بواجبه، فإن الله يهدي قلبه: يُسَكِّنه ويُطَمْئِنه، ويهديه إلى ما ينبغي فعله لدفع الشر والظلم، ويهدي قلبه إلى الحِكَم البليغة في البلايا وفي الأقدار المؤلمة.
إنها اللحظة الفارقة عند رؤية الشر والظلم: فإما أن تنكسر وإما أن تنتصر.
سيهجم الشيطان عليك ليأخذ بيدك ويغوص بك في مستنقع سوء الظن، فاطرده، وقل: (الله أعلم وأحكم، وهو عز وجل بعباده أرحم...المهم: ما دوري أنا؟)..وسترى من هذه الطريقة في التعامل بركة عظيمةً جداً، ستقول الكلمة لا تظنها أن تبلغ من نفس مظلوم ما بلغت لكن الله يبارك فيها، وستتحول مشاهد الظلم المختزنة في ذاكرتك إلى يقظة وعمل في سبيل نجاة الأمة والبشرية، سَيَتَكَشَّف لك من حكمة ربك في أقداره المؤلمة ما لم تكن لتكتشفه لو قعدت تسيء الظن وتعتب على القدَر.
فَتَذَكَّر دوماً قوله تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} ... هي شرورٌ لا شك أن الله قادرٌ أن يمنعها، ومظالم هو عز وجل قادرٌ أن يرفعها، ولكن: {لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}..ليرى ما أنت فاعل...فاشغل نفسك بواجبك ولا يَسْتَزِلَّنَّك الشيطان...في تلك اللحظة الفارقة.