الانهزامية النفسية !
سحر المصري
هي مسابقة لجماليات الخط العربي قام المنظّمون مشكورين بإطلاقها منذ
ثلاث سنوات وشارك فيها المئات من الطلاب في كافة مدارس صيدا
والشمال...
- التصنيفات: تربية النفس -
هي مسابقة لجماليات الخط العربي قام المنظّمون مشكورين بإطلاقها منذ
ثلاث سنوات وشارك فيها المئات من الطلاب في كافة مدارس صيدا
والشمال..
وهدفها تجويد الخط العربي للطلاب وإظهار إبداعاتهم من خلال اللوحات
الحروفية والتخطيط.. ولا أدري كيف دخل في المسابقة "العربية" فرع
الكتابة باللغة الفرنسية ليصبح فرعاً أصيلاً فيها!
وها قد جاء موعد حفل توزيع الجوائز.. دخلت الجموع القاعة.. واستقرت
في أماكنها.. تنتظر بدء الحفل..
وأول الرعاة كان: المركز الثقافي الفرنسي في لبنان..
وأول الكلمات كانت لرئيس المركز الثقافي الفرنسي في طرابلس إتيان
لويس.. باللغة الفرنسية.. ولم يفته أن يعتذر عن عدم إتقانه "للغتنا"
طوال فترة إقامته في لبنان.. مع أنه ومركزه وبعثته يسعون دائماً وبشكل
حثيث لأن يبقى لبنان بلداً فرانكوفونياً بامتياز..
ثم تلته كلمة باللغة الفرنسية أيضاً لسيدة منتدبة من الملحقية
الثقافية الفرنسية في لبنان..
وأنا أتسمّع لكلماتهم وأسرح بفكري بعيداً عن كل ما يدور حولي..
وأول شعور خالجني كان شعوراً بالانهزامية النفسية أمام الغرب
وفقاعاته "الثقافية" التي طالما رسمها لاجتياح مجتمعاتنا بعد أن وعى
جيداً أنه لن يستطيع اجتياحها عسكرياً بعد استعماره لها فترة طويلة
فيما مضى!
وأول صورة قفزت إلى مخيّلتي صور المحجبات الفرنسيات الأصل.. اللواتي
اخترن الحجاب وبعضهنّ اختار النقاب فشرّع لهنّ القانون الفرنسي
أحكاماً تحميهنّ من النقاب.. وأجبرهنّ على خلعه أو دفع تعويضات كبيرة
إن أصرّين على الظهور به في الأماكن العامّة.. حتى ابتكرت المسلمات
هناك طرقاً للخروج من هذا المأزق.. فتارة يحلقن شعورهنّ كي لا يضطررن
لأن يراه الرجال.. وتارة يضعن "كمامة" على الأنف حتى لا يُظهِرن
وجوههنّ حين الخروج من بيوتهنّ.. كل هذا في بلد يتغنّى بنشر "ثقافة"
الحرية والعدل والمساواة والحب والسلام!
وعدتُ بذاكرتي إلى الأيام التي قضيتها في مدرستي الإرسالية.. حيث لم
نكن نتكلم إلا اللغة الفرنسية لأننا "نخبة" مثقفة مختلفة عن كل أطياف
المجتمع! هكذا أفهمونا! فباتت اللغة الفرنسية هي اللغة المتعارف عليها
في التخاطب إن في البيت أو مع الصديقات وحتى مع العاملات في المدرسة
من بائعات وخادمات! وبعد التزامي بالإسلام عرفت أن اللغة جزء من
العقيدة وأن فَقدي لها في مرحلة عمريّة معيّنة أثّرت أيّما تأثير على
شخصيتي وعدم انتمائي لإسلامي وقرآني وعروبتي!
وقد قالها الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور-كما قرأت في إحدى
المقالات- في مؤتمر القمة الفرنكفونية المنعقد في بانغي عام 1962:
"الفرنكفونية ثقافة تتجاوز مجرد النطق باللغة الفرنسية لتصبح وسيلة
تعتمدها الشعوب الناطقة بهذه اللغة لتشارك في صنع ثقافة إنسانية ترتكز
على مجموعة من القِيَم المشتركة"!
ولعل هذا ما هو مستشرٍ اليوم في لبنان.. فالمجتمعات التي تدين للغرب
وتعتبر أنها "متحضّرة" تريد نقل نمط الحياة الغربية إلى لبنان وتحارب
كل ما هو شرقي من عادات وتقاليد وقِيَم.. اجتماعية كانت أو دينية..
ويساندها في مخططها الاتحاد الأوروبي والغرب الذي يمدها بمليارات
الدولارات لنشر الخبائث في الإعلام والمناهج التعليمية والمنظومات
الثقافية..
ولطالما اجتاحني سؤال أعياني جوابه: لِم شريحة كبيرة من اللبنانيين
اعتبروا الخلافة الاسلامية "احتلالاً" يجب التحرر منه بينما لم تكن
فرنسا في نظر هذه الشريحة دولة محتلّة يجب الثورة لإنهاء احتلالها!!
غريبٌ كيف انسلخ بعض العرب نتيجة العولمة والتغريب عن هويته ليندمج
بعدها مع الثقافة الغربية ثم لا يزال يرفض فكرة ذلك الانسلاخ وهذا
الاندماج!
خرجت من الحفل وأفكار متلاحقة تتصادم في نفسي.. لأقرأ مقال الأستاذ
فهمي هويدي "فتش عن التمويل" فتتثبت المخاوف وتزيد الدماء غلياناً!
حيث عرض لدعوة وزارة الخارجية الفرنسية لشباب من تجمعات مصرية مختلفة
شاركوا في الثورة لحضور ندوة في باريس تناقش التطورات في العالم
العربي..
والتقى بعضهم الأمين العام لحزب ساركوزي وسكرتيرته "اليهودية" لشؤون
العلاقات العامة والأحزاب. ويقول الأستاذ فهمي هويدي أن الأخيرين
أبديا "رغبة الحكومة والحزب الحاكم في التعاون مع الأطراف التي تتبنى
أربع قضايا أساسية هي:علمانية الدولة المصرية، تأييد معاهدة كامب
ديفيد والدفاع عن السلام مع إسرائيل ومعارضة سياسة حركة حماس
«الإرهابية»، الدفاع عن الرئيس السابق حسني مبارك ورفض تقديمه إلى
المحاكمة، والاصطفاف إلى جانب التيارات السياسية التي تتحالف ضد جماعة
الإخوان المسلمين، لإضعاف أي حضور لها في المستقبل السياسي
لمصر."
هذه هي النوايا الجميلة لكل ما هو غربي.. ففرنسا وبريطانيا والولايات
المتحدة الأميركية وإيطاليا وألمانيا وغيرهم ممن يدّعي الاهتمام
بالعالم العربي يلبسون كلهم ثوب الحمل ليحموا الذئاب المتمثّلة
بالكيان الصهيوني ومصالحهم الكامنة في كل ما هو ضد الدِّين
والعروبة!
قد أكون لا "أستوعب" الكثير من المناحي السياسية التي تحتاج
لآينشتاين كي يفك رموزها لكثرة المكائد التي تُحاك في الخفاء.. ولكني
أستطيع أن أفهم تماماً ما الذي يُحاك للأسرة من هؤلاء الغربيين الذين
يأتوننا بشعارات برّاقة تخفي خلفها نوايا سامّة لتدمير الأُسَر..
يعاونهم العابثون من أبناء جلدتنا.. السمّاعون لهم.. الذين يقبضون
وينشرون ما يريدونهم أن ينشروه.. باسم حماية المرأة.. وباسم الحضارة
والتقدّم!
وتذكرت في هذا المقام مقالاً كتبه أحد المفتونين بالغرب يتهجّم فيه
على المسلمين الذين يتهجمون على الثقافة الغربية ويتهمهم بجهل مفردات
"الحداثة" التي أدّت إلى قيام المشروع "الحضاري الأوروبي"! والتي تقوم
-بزعمه- على احترام الفردية والعقلانية والتكنولوجيا!
ولكنني لم أجد هذا الاحترام الذي يدّعيه في حرمان المسلمة من اختيار
لباسها والتمسك بشرع ربها جل وعلا.. ولا في احترام الرجل الذي يختار
تعدد الزوجات في حين أنهم احترموا رغبته في تعدد الخليلات! ولم أجد
العقلانية في التعاطي مع كل ما هو "مختلف" عن توجهاتهم! وغيرها من
التناقضات كثير!
لا بد لنا من أن نخرج من هذه الانهزامية النفسية أمام كل ما هو
غربي.. الذي يأتينا متلبّساً بالثقافة والانفتاح.. وكل همّه الانقضاض
على مجتمعاتنا لتغريبها!
قد آن الأوان وربي لنعلم أنه لن تقوم لبلادنا قائمة حتى نعود إلى ما
شرعه الله جل وعلا وهو أعلم بمن خلق!