فراغ إلى آلهتهم
أبو الهيثم محمد درويش
{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) } [ الصافات]
- التصنيفات: التفسير -
{فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} :
في موقف من أعجب المواقف عبر التاريخ الإنساني
موقف يبين ضعف حجة المشركين و المنافقين الذين عاندوا و استكبروا عن دين الله , و أنهم يقدمون البطش على الحجة.
ها هو إبراهيم عليه السلام يستخدم الحيلة بعدما دعا أباه و قومه لعبادة الله وبين لهم سفه معتقداتهم و تأليههم لتلك الحجارة.
رفض الذهاب إلى عيدهم ليختلي بالأصنام ثم كسرها و هدمها فلما أقبلوا علموا أنه من فعلها و استنكروا فعلته , فما كان منه إلا أن طلب منهم أن يسألوا آلهتهم من الذي هدمها ؟؟؟ و لماذا لم تدافع عن نفسها؟؟؟!!!!
فلما وقعوا في الفخ و اعترفوا بأن آلهتهم لا تنطق و لا تملك الدفاع عن نفسها كان قرارهم الأعجب و هو حرق إبراهيم بالنار .
كان القرار الأولى و الأنسب هو الرجوع إلى الحق بعدما اعترفوا بألسنتهم بنقص أوثانهم , ولكنهم قرروا إسكات صوت الحق الوحيد.
فكان رد الإله الحق سبحانه الذي يدافع عن أوليائه بأن أحال النار برداً و سلاماً كرامة لإبراهيم .
قال تعالى:
{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) } [ الصافات]
قال السعدي في تفسيره:
أراد عليه السلام، أن يكسر أصنامهم، ويتمكن من ذلك، فانتهز الفرصة في حين غفلة منهم، لما ذهبوا إلى عيد من أعيادهم، فخرج معهم.
{ { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } } في الحديث الصحيح: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: قوله { إِنِّي سَقِيمٌ } وقوله { {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } } وقوله عن زوجته "إنها أختي" والقصد أنه تخلف عنهم، ليتم له الكيد بآلهتهم.
{ فَـ } لهذا { { تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} } فلما وجد الفرصة.
{ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} } أي: أسرع إليها على وجه الخفية والمراوغة، { {فَقَالَ } } متهكما بها { {أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} } أي: فكيف يليق أن تعبد، وهي أنقص من الحيوانات، التي تأكل أو تكلم؟ فهذه جماد لا تأكل ولا تكلم.
{ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} } أي: جعل يضربها بقوته ونشاطه، حتى جعلها جذاذا، إلا كبيرا لهم، لعلهم إليه يرجعون.
{ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } } أي: يسرعون ويهرعون، أي: يريدون أن يوقعوا به، بعدما بحثوا وقالوا: { {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ } }
وقيل لهم { {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} } يقول: { {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} } فوبخوه ولاموه، فقال: { {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ} } الآية.
و { قَالَ } هنا: { {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} } أي: تنحتونه بأيديكم وتصنعونه؟ فكيف تعبدونهم، وأنتم الذين صنعتموهم، وتتركون الإخلاص للّه؟ الذي { {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} } أي: عاليا مرتفعا، وأوقدوا فيها النار { {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ } } جزاء على ما فعل، من تكسير آلهتهم.
{ {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} } ليقتلوه أشنع قتلة { {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} } رد اللّه كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردا وسلاما.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن