لا ينفع التَّعليم العقل بغير ورع
صفية الودغيري
فأنت لا تتعلَّم كي تكون ذا وضعٍ أفضل في النظام الاجتماعي، وذا كفاءة عالية.. بل أنت تتعلَّم كي تَسْتنير ثقافِيًّا وروحِيًّا، وأخلاقيًّا وسلوكيًّا..
- التصنيفات: تزكية النفس - طلب العلم -
كُنْ ذا عقل لا يغبنه قلة الورع، فإذا ملكتَ اللبَّ الرَّشيد والرَّأي السَّديد، ملكتَ الرَّصانة والحصافة، والأناة والصَّبر الجميل، والقدرة على التَّعبير بلسان بليغ فصيح، فتَأْسِر القلوب، ويصطفُّ الناس حولك، كما الفَراشُ تلفُّ وتدور حول الزُّهور.
ولا تركن إلى التَّعليم وحده بلا ورع ولا إيمان، تَبْتغي أن ترقى به قمَّة السُّمو، وتصعد سُلَّم الكمال والمجد في التَّفكير والفهم، وفي الممارسة والعمل، فتكتفي به رائدًا ومعلِّمًا ومؤدِّبًا، وتظنُّ أنَّك إذا تعلَّمت ستبني القواعد المتينة، وتؤسِّس أركان أمَّة قويَّة، وتحتلُّ الصَّدارة والقيادة، ومراتب التَّشريف والرِّفعة..
فالتَّعليم بلا ورع ولا إيمان، وبلا خشية ولا تقوى، يُخَرِّج جيلا من الغُزاة والأشرار، ومن يستخدمون وسائل مختلفة لتضليل الشُّعوب والمجتمعات بحقائق مغلوطة، ومن يساهمون في شَلِّ إرادتها الحُرَّة، ومنعها من التَّفكير والنَّقد، والتَّعبير والتَّجديد والابتكار، وإخضاع وعيها لتِكرار ما هو جاهز..
بل التَّعليم بنظامه التَّقليدي يُخلِّف شعوبا مضطهدة، وشعوبا متخلِّفة ومقهورة، وشعوبا مستعبدة بلا إرادة حُرَّة، ويخَلِّف سلسلة من الحروب الطَّاحِنَة، تنتهك العرض والشَّرف، وتغتصب الأرض وخيراتها، وفي هذا الشأن يقول الرئيس علي عزت بيجوفيتش: “فالتَّعليم وحده لا يَرْقى بالناس، ولا يجعلهم أفضل مما هم عليه أو أكثر حُرِّية، أو أكثر إنسانِيَّة، إنَّ العِلم يجعل الناس أكثر قُدِرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعا للمجتمع، لقد برهن التاريخ أنَّ الرجال المُتعلِّمين والشُّعوب المُتَعلِّمة يمكن التَّلاعُب بهم، بل يمكن أن يكونوا أيضا خُدَّامًا للشَّر، ربَّما أكثر كفاءة من الشُّعوب المُتخَلِّفة.. إنَّ المستوى التَّعليمي الرَّاقي للغُزاة لم يؤثِّر على الأهداف أو الأساليب، لقد ساعد فقط على كفاءة الغُزاة وفرض الهزيمة على ضحاياهم”.
فأنت لا تتعلَّم كي تكون ذا وضعٍ أفضل في النظام الاجتماعي، وذا كفاءة عالية، أو مفكِّرا ومتحضِّرا تجمع علوما كثيرة، ونظريات كثيرة، وتدرك عددا هائلا من الحقائق والمعارف، بلا هدف ولا غاية نبيلة، وبلا رسالة تقود الأمم إلى الخير والنَّفع العام، بل أنت تتعلَّم كي تَسْتنير ثقافِيًّا وروحِيًّا، وأخلاقيًّا وسلوكيًّا..