فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون؟
أبو الهيثم محمد درويش
ادعاء الولد لله سبحانه، و الله منزه عن هذا فالله واحد فرد صمد لم يلد و لم يولد، ليس له مثيل و لا مكافيء في خلقه، متفرد في ذاته و صفاته و ملكه.
- التصنيفات: التصنيف العام - التفسير -
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}:
من كذبات الكفار الكبرى التي ادعوها جهلاً و صدقوها و قدسوها: الادعاء بأن الملائكة بنات الله، وهذا فيه من البهتان ما فيه من جهتين:
الأولى: ادعاء الولد لله سبحانه، و الله منزه عن هذا فالله واحد فرد صمد لم يلد و لم يولد، ليس له مثيل و لا مكافيء في خلقه، متفرد في ذاته و صفاته و ملكه، يخلق ما يشاء و يسخر من عباده من يشاء لما يشاء من مهام، فالكل له مخلوق خاضع و هو وحده صاحب القوة و القهر.
الثانية: أنهم اختاروا لله أضعف الجنسين في نظرهم، بينما كانوا هم يكرهون لأنفسهم إنجاب البنات!
فأي عقيدة فاسدة هذه و أي تصور للإله كانوا يتصورونه وأي حكم ظالم هذا؟ و أين الحجة و الدليل و البرهان على هذا الاعتقاد؟
قال تعالى:
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الصافات 149 – 157].
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أي: اسأل المشركين باللّه غيره، الذين عبدوا الملائكة، وزعموا أنها بنات اللّه، فجمعوا بين الشرك باللّه، ووصفه بما لا يليق بجلاله، {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} أي: هذه قسمة ضيزى، وقول جائر، من جهة جعلهم الولد للّه تعالى، ومن جهة جعلهم أقل القسمين قوة وهو البنات التي لا يرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} ومن جهة جعلهم الملائكة بنات اللّه، وحكمهم بذلك.
قال تعالى في بيان كذبهم: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} خلقهم؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم، فدل على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على اللّه، ولهذا قال: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} أي: كذبهم الواضح {لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
{أَصْطَفَى} أي: اختار {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الجائر.
{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وتميزون هذا القول الباطل الجائر، فإنكم لو تذكرتم لم تقولوا هذا القول.
{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أي: حجة ظاهرة على قولكم، من كتاب أو رسول.
وكل هذا غير واقع، ولهذا قال: {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فإن من يقول قولا لا يقيم عليه حجة شرعية، فإنه كاذب متعمد، أو قائل على اللّه بلا علم.