إشراقات إنسانيّة في سورة يوسف!
أحمد بن عبد المحسن العساف
هذه الإشراقات إنسانيّة عامَّة، في الإدارة، والتَّربية، والسِّياسة، والاقتصاد، وعلمي النَّفس والاجتماع، وما أحوج العالم للاستنارة بكتاب ربّنا وإشاراته.
- التصنيفات: التصنيف العام - التفسير -
في يوم الجمعة الماضية، اعتلى خطيب جامعنا الشَّيخ عمر العميقان-وفقه الله- منبره، وألقى كعادته خطبة بديعة المبنى، غزيرة المعنى، سامية المحتوى، قصيرة المدَّة، عن سورة نبي الله يوسف عليه السَّلام. وفي فجر اليوم، تلا إمام مسجدنا الشَّيخ فهد الشّعيبي-وفقه الله-، هذه السُّورة الكريمة في الصَّلاة التي يحضرها عدد كبير من الجيران والحمد لله.
وكنت كثير التَّأمل فيها، لأنّها القصَّة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنَّها أحسن القصص، وكتبت في ذلك تغريدات عسى الله أن ينفع بها. وقد حفزتني خطبة الخطيب، وتلاوة الإمام، على كتابة وقفات عجلى مع هذه السُّورة ذات القصَّة الواحدة من أولها إلى آخرها.
وأشير إلى أنَّ ما سطرته ليس تفسيرًا، وإنَّما هو تدَّبر عاجل دون عودة لأيِّ كتاب من كتب التَّفسير، فآيات السُّورة واضحة، وكلماتها بيّنة الدّلالة، وفيها من المعاني ما لا يخفى عن عين القارئ لهذه السُّورة التي نزلت على سيدِّنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في عام الحزن، فكانت كما قيل عنها سلوة المحزون، ومن تلاها وهو منقبض الصَّدر، سيبلغ آخرها وهو في غاية الانشراح.
وهذه الإشراقات إنسانيّة عامَّة، في الإدارة، والتَّربية، والسِّياسة، والاقتصاد، وعلمي النَّفس والاجتماع، وما أحوج العالم للاستنارة بكتاب ربّنا وإشاراته، وقد قصّرنا في ذلك غاية التَّقصير؛ حين تنازلنا عن سمو لغتنا العربيّة الفصيحة، وتكاسلنا عن نشرها، ولم نصب المراد من خلال التَّرجمات المتداولة لمعاني الآيات، وقبل ذلك لم نتبع أوامر الكتاب العزيز ليرى العالم أثره علينا باديًا للعيان.
فمن الإشارات البديعة في هذه السُّورة المباركة:
- أحسن القصص وسيلة للتّربية والتّعليم، ونشر المفاهيم، وتسلية المحزون.
- الكتمان فضيلة تقضى به الحوائج، وتضمر العداوات.
- الاجتباء والاصطفاء ضرورة لتهيئة من يحمل الرِّسالة ويكمل المسيرة.
- التّراث العائلي العريق مؤثر في بناء الشَّخصيّة.
- لدى أصحاب الحقِّ المشترك حساسية شديدة تجاه الأثرة والتَّمييز والاختصاص.
- اختلاف تفكير المتآمرين رحمة، فلو كانوا سواء في القسوة لفسد العالم.
- سوق الحجج والشُّبه، وتحسين القصد، وتيسير الصَّعب، أمور يجيدها المتآمرون.
- ادعاء النُّصرة والقوة والنَّجدة قد يخفي تآمرًا، أو يفضح عجزًا!
- مهما كانت الدَّعوى محكمة فلن تخلو من ثغرات كاشفة.
- كم من فكرة أو إنسان بيع بثمن بخس فكانت العاقبة له!
- تدبير الله يعلو فوق كيد البشر وتخطيطهم ومكرهم.
- الحكمة والعلم خير جزاء للمحسنين في الدُّنيا.
- دخول المرأة فيما ليس لها من الشَّأن العام مفسدة لها ولما دخلت فيه.
- قد يكون الشَّاهد على واقعة، وكاشف الحقيقة، شخص لا يؤبه له أول الأمر.
- الدَّلائل العقلية والحسِّية تفضح المريب مهما حاول تصّنع البراءة.
- لدى الجناة استعداد لتحميل الحيوانات أفعالهم الخاطئة.
- مجالس النساء هي هي سواء كنَّ من طبقة مخمليّة أو حجريّة!
- قد يكون السّجن عقوبة لمن خلا من التّهمة، وظهرت آيات سموّه وبراءته.
- الإحسان خلّة كريمة سامية ترافق النُّفوس الرَّفيعة أيّاً كان وضعهم ومكانهم.
- ما أجمل سوق الرِّسالة النَّبيلة مع تقديم الخدمات الجليلة.
- قد يخرج المرء من السِّجن إلى المقصلة أو إلى القصر!
- إذا أراد الله انفراجًا سخَّر له جنوده، والنَّوم والرُّؤى من جنده.
- بين الأوفياء من السُّجناء رابطة تؤلف بينهم!
- أصحاب المبادئ يحرصون على البراءة أكثر من حرصهم على المناصب.
- إذا عرف الملك الذين يستحقون أن يستخلصهم لنفسه فستكون حكومته ناجحة.
- اهتبال الفرص حكمة يجب ألاَّ تفوَّت، والأهداف حيَّة في أذهان أصحابها.
- تدبير الاقتصاد في الرّخاء لوقت الشدَّة حكمة تمنع السّوء.
- التَّرغيب والتَّخويف سياسة ناجحة في وقتها المناسب من الحاكم العادل.
- العين حقٌّ مهما اجتهد البعض في إنكارها أو التَّعالي عن أخبارها.
- كم يأنس الأخ بأخيه، ويحنُّ أهل الدَّم الواحد إلى بعضهم.
- قد يكون المكر والكيد من أجل تحقيق الخير والحق.
- كتم الغيظ، وترك الرَّد المباشر على البهتان، سمة قياديّة.
- التَّرفع عن السَّفاسف من سيما الكبار.
- تقدير الشَّيخ الكبير جبلَّة بشريّة مشتركة، ومثله تقدير الضَّعفة من نسوة وأطفال.
- على المرء أن يكون قريبًا من ربِّه كلّما اشتدَّ ضيقه وحزنه.
- التحسُّس عن الغائبين سنَّة ماضية لا تنقطع!
- اليأس من روح الله ذنب وخطيئة.
- النُّفوس العظيمة تصفح ساعة المقدرة.
- ذكرى الأحبَّة تشرح الصُّدور ولو كانت رائحة أو قميصًا.
- الأدب في التَّعبير عن خلاف سابق دليل على رقي أطرافه.
- تأويل الأحاديث قرين في المنزلة لملك الدُّنيا.
- كلُّ عمل على بصيرة فالنُّجح مصيره.
- انحصرت النبُّوة في الرِّجال، وتعسًا لدعاوى الشَّهوانيين والسَّادرات.
- نصر الله قادم ولا محالة، وقد يكون مجيئه متأخرًا ليكون أثره أكبر.
- بأس الله سيلاحق المجرمين ولو تحصَّنوا.
- في التَّاريخ والقصص عبرة لمن شاء الاعتبار.
- حسن الظّن بالله، مع الدّعاء، وفعل الأسباب، تصنع العجائب، ففي وقت واحد: رجع البصر، وعاد الغائبون، وتاب الجميع، وارتفعت الحاجة، وتصالحت الأسرة!
واليقين منِّي يزداد، أنَّ هذه المعجزة الباهرة الخالدة، حجَّة من الله علينا، فكتاب الله بين أيدينا، وبه يمكننا دعوة النَّاس إلى كل فضيلة، وفضح أيّ فساد، وإجابة جميع ما يشكل، وإنَّما القصور فينا أمّة الإسلام، وأهل العربيّة، وكم من خير حرمته البشرية من هذا القصور، فهل ينهض لعلاج هذا الخلل أهل القصور؟!