الإحالة إلى من هو أحق
الإحالة على من هو أنفع للناس لا تقدح فيك، لا تقدح في علمك، أو جهدك.. الإحالة على الأفضل دين، وهي واجبة في بعض الأحيان، و مستحبة في بعض الأحيان.
أن تشير إلى من تظنه أفضل منك في هذا الباب، أو هذا العمل، لا يقدح فيك، بل يُعليك.
تخيل أن مليون واحد يحتاجون إليك، هل في هذا الموقف الذي أنت فيه محطّ الأنظار ستُحيل على أحد آخر؟؟
تذهب البشرية جميعا إلى نبي الله نوح أن يشفع لها..
فيُحيل على غيره، و يقول اذهبوا إلى الخليل إبراهيم، فإني لا أقدر (مع أنه نبي، و مع أن إبراهيم من أحفاده).
فتذهب البشرية إلى الخليل عليه السلام، فيقول اذهبوا إلى الكليم موسى عليه السلام..
أمام البشرية جميعا ينطقها بكل بساطة، دون أن يهاب أحدا، دون أن يشعر أن هذا يؤثّر في مكانته..
ينطقها بصراحة، و يحيل على غيره، اذهبوا إلى عيسى عليه السلام.
عيسي بن مريم عليه السلام، يحيل أيضا على غيره اذهبوا إلى محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
(لأنه أحق بها).
عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: "أتيتُ عائشةَ أسألُها عن المسحِ على الخُفَّيْنِ، فقالت: "عليكَ بابن أبي طالبٍ فَسَلْهُ" (صحيح مسلم [276]).
فأحالت على علي ابن أبي طالب، و هي من أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجته، مع ذلك أحالت.
وفي الجهاد أحال ثابت بن أقرم الأنصاري على جندي جديد خرج في أول معركة له، لما له من سابق موهبة.
لمّا سقط الأمراء الثلاثة في سرية مؤتة قتلى أخذ الراية أبو اليسر الأنصاري، ثم دفعها إلى ثابت بن أقرم، والذي بدوره دفعها إلى خالد بن الوليد وكان مازال جنديا في الجيش أسلم منذ أشهر، و خرج في أول معركة له، و لكنه كان صاحب موهبة، فإذا ثابت بن أقرم يعطي الراية لخالد و يقول له: "أنت أعلم بالقتال مني".
عن أبي اليسرِ بنِ عمرٍو الأنصاريِّ قال: "أنا دفعتُ الرايةَ إلى عبدِ اللهِ بنِ رواحةَ وأصيبَ فدفعتُها إلى ثابتِ بنِ أقرمَ الأنصاريِّ فدفعها إلى خالدِ بنِ الوليدِ فقال له: "لِمَ تدفعُها إليَّ"، قال: "أنت أعلمُ بالقتالِ منِّي" (مجمع الزوائد [6/160]).
فأحال ثابت بن أقرم إمارة الجيش إلى من هو أعلم بالقتال منه.
تواجه مريم ابنة عمران قومها بطفل رضيع، و يأمرها ربها أن تُحيل على الرضيع الرد..
فتأتي قومها تحمله، فلما تكلموا معها أشارت إليه، فقط أشارت إليه..
و كأنها تقول لهم: "لا أملك الرد، و لكنه يملك".
فأحالت مريم ابنة عمران الصالحة القانتة على الطفل الرضيع النبي عيسى صلى الله عليه وسلم، ليرد عنها افتراءات بني اسرائيل، و ماديتهم.
الإحالة على من هو أنفع للناس لا تقدح فيك، لا تقدح في علمك، أو جهدك،
الإحالة على الأفضل دين، وهي واجبة في بعض الأحيان، و مستحبة في بعض الأحيان.
عن عبد الله بن عباس أنَّ رجلًا أجنَب في شتاءٍ فسأَل فأُمِر بالغُسلِ فمات فذُكِر ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: «ما لهم قتَلوه؟ قتَلهم اللهُ -ثلاثًا- قد جعَل اللهُ الصَّعيدَ -أو التَّيمُّمَ- طَهورًا» (صحيح ابن حبان [1314]).
الكاتب: أحمد سيف الإسلام.
- التصنيف: