لنحيا الشريعة.. مهما كره كارهوها (المقال الرابع)
عبد العزيز مصطفى كامل
لا سلاح أمضى..ولا حصن أحفظ في معركة الشريعة مع كارهيها..مثل مزيد التمسك بها اعتقادًا وتشريعًا وسلوكًا: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}.
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة -
كراهية الشريعة... تنعكس عند أصحابها في صورِ سلوكٍ ومواقف ولغةِ تعامل..فالموقف منها ليس سِرًا مستورًا في القلوب مغمورًا في النفوس، ولكن كراهيتها حالةٌ نفسية، وظاهرة مَرَضية.. تنطوي عليها بعض الكائنات البشرية {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [آل عمران: 118].
وكراهية الشريعة ليست مجرد تكبُرٍ عن التدين وتجبُر على المتدينين...وليست مقتصرة على استنكاف بعض مظاهر الهَدْي الظاهر، كالسُخرية من الحجاب وازدراء اللِّحى والنقاب...ولا مختصرة في تهكُم بعضهم على "الشعب الآخر" في معتقداته واختياراته وأنماط حياته.. لا لا..!!.. بل إن كراهية الشريعة يعبِر عنها وينطِق بلسانها.. رفض الكارهين لها عن تثبيت دعائم المجتمعات بها، وإقامة أوجه الحياة على أساسها،..بمراعاة تحقيق مقاصدها في (حفظ الدين والنفس والعِرض والعقل والمال).. تعظيمًا في ذلك للخالق، وتكريمًا للمخلوق وضمانًا للحقوق.. وإقامةً للحدود وتتميمًا لمكارم الأخلاق..
وبعيدًا عن الحُكم على أعيانٍ أو تعيينِ أشخاص...فإن صنف الكارهين للشريعة المبغضين لأهلها...لا يصدر منهم ذلك إلا لنفورهم هم وشياطينهم من الوحي المنزل، لحُبًهم وشَغَفهم بالتشريع الوضعي الوضيع المُبدَل.. {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].
و الكارهون لما أنزل الله، كشف القرآن نواياهم.. وفضح طواياهم المخبوءة وراء كراهيتهم للشريعة.. فهم:
يكرهون الحق الذي أُنزل فيها: {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:78].
ويكرهون احقاق الحق بها: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال : 8].
ويكرهون الإنفاق والمنفقين لأجل نشرها ونصرها: {وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة :54]
ويكرهون الجهاد والمجاهدين في سبيل إعلاء كلمتها: {وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:81].
ويصل الأمر بهؤلاء الكارهين أن يصيروا غير قارين على إخفاء حبهم لأصناف المبغضين للشريعة والمُبَعِضين للدين.. {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم} [محمد:26].
بل الأعجب من كل هذا أن نرى هؤلاء الكارهين يكرهون رضوان من خلقهم ورزقهم، غير مبالين بضياع الدنيا والدين.. {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد :28].
ولهذا يبادلهم الله كُرهًا بِكُرْهٍ.. فيحفظ دينه..ويُتم نوره...ويجعل كراهية المؤمنين لهؤلاء الكارهين من أوثق عرى الإيمان وأُسس الدين: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:82].. بل ويُجري سُنَنَه..ويُقدِر مقاديره على عكس مايشتهون.. {يرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون}.
إنه لا سلاح أمضى..ولا حصن أحفظ في معركة الشريعة مع كارهيها..مثل مزيد التمسك بها اعتقادًا وتشريعًا وسلوكًا: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44].