ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب
أبو الهيثم محمد درويش
حال المؤمن الصالح الرجاع إلى الحق المسارع في التوبة ، يحسن الله إليه في الدنيا والآخرة.
- التصنيفات: التصنيف العام - التوبة -
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}:
اختبر الله تعالى رسوله ثم عاقبه بزوال ملكه فما عاد و أناب أزال عنه الضر و أبدله ملكاً مضاعفاً لم يؤته الله أحداً من قبله.
سخر له الريح و سخر له الجن و أعطاه كنوز الأرض.
والأفضل من كل هذا وعد الله لنبيه بحسن المآب في الآخرة.
وهذا حال المؤمن الصالح الرجاع إلى الحق المسارع في التوبة ، يحسن الله إليه في الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص 34 – 40].
قال السعدي في تفسيره:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أي: شيطانا قضى اللّه وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، {ثُمَّ أَنَابَ} سليمان إلى اللّه تعالى وتاب.
فـ {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.
وقلنا له: {هَذَا عَطَاؤُنَا} فَقَرَّ به عينا {فَامْنُنْ} على من شئت، {أَوْ أَمْسِكْ} من شئت {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.
ولهذا قال: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي: هو من المقربين عند اللّه المكرمين بأنواع الكرامات للّه.