لِنَحْيَا الشريعةَ.. بفطرتها وحسن صِبْغَتها.. (المقال الخامس)
مِلّتنا وشريعتنا هي صبغتنا وهُويتنا.. التي لاتقبل التجزئة ولا التبعيض.. وتستعصي على التغيير والتبديل من أصناف العبيد.
تصوَّرْ معيَ فئاتٍ من البشر.. مختلفين في الأجناس والأعمار والألسُن، ومتنوعين في ظروف الزمان والمكان وطبائع الإنسان، لكن كل واحد منهم يجمع في نفسه أكثر شعب الإيمان، البضع وسبعين شُعبة من خصال الدين القويم ، بمكوناته الثلاثة (الإيمان والإسلام والإحسان) .. وتساءَلْ معي.. هل سيوجَد اختلاف كبير بين جميع هؤلاء في مظهرهم أو جوهرهم..؟ وهل ستتفاوت كثيرًا طرائقهم في التفكير أو مناهجهم في التفاهم والتعامل والتغيير..؟ هل سيكونون إخوةً متحابين.. أم أعداء متنافرين متباغضين..؟..
والجواب الذي لاشك فيه.. أنهم سيكونون حتمًا متشابهين متوافقين متقاربين في حسن السيرة والمسيرة، مهما تباعدت أجسادهم وتباينت ظروفهم.. لسبب واحد، وهو أنهم جميعا اصطبغوا بصبغة واحدة متجانسة متآنسة؛ هي صبغة الدين المتين والفطرة السليمة والشريعة القويمة.. {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138].
صبغة الله هي شرائع الدين وملة الفطرة، ولذلك فالآية دعوة ربانية بالتزام تلك الصبغة الشرعية.. التي تمثلها هدايات هذا الدين، الذي أُمِرنا أن ندخل فيه كافة، وأن نُقيمه بجميع شرائعه الظاهرة والباطنة، عقيدةً وأحكامًا وأخلاقًا، حتى نكون بأخذنا بشعب الإيمان متوافقين على الصّفة والصّيغة التي يحبها الرحمن، والصبغة التي يريدها منّا ويتعبدنا بها، ولذلك قال -سبحانه- على صيغة التعجب: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ } [البقرة من الآية:138].
حيث إن هناك صبغات أخرى لأمم أخرى، اختارت كل منها صبغة خاصة كانت تتصورها عبادة.. فاليهود كانوا يتطهرون بالماء المخلوط برماد البقرة الصفراء أو الحمراء، التي أَمَر موسى قومه بذبحها بشروطها، فتطور أمرها بعد التحريف حتى صاروا يطلقون عليها (الشريعة الأبدية).. وظلوا يعتقدون أنهم لا يطْهُرون أبدًا للعبادة إلا عن طريق رمادها..! وكذلك النصارى بعدهم؛ كانت شريعتهم المنسوخة هي التطهر بماء "المعمودية" في نهر الأردن.. وتعميد الأطفال في يوم سابعهم.. وهكذا كانت لكل أمة صبغة ذات طبيعة طقسية مادية خرافية. لكنّ الله اختار لهذه الأمة صبغة قِيَِم تقوم على أعمال قلبيةٍ عمليةٍ، تسوق إلى تمام العبودية، ولذلك قال سبحانه في الآية على لسان المؤمنين: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة من الآية:138]..
مِلّتنا وشريعتنا هي صبغتنا وهُويتنا.. التي لاتقبل التجزئة ولا التبعيض.. وتستعصي على التغيير والتبديل من أصناف العبيد.. ولا يتوقف التحلّي بمحاسنها أو التخلّي عما ينافيها على إذن ولا مُحاجة ولا جدال، لأنها شِرعة الكبير المتعال: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة:139].. فإقامة الدين والاصطباغ بصبغة الشريعة على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب هو باختصار أمرُ جنةٍ أو نار.. لا يحتمل تأخيرات أو تأجيلات، ولا مُهاترات أو مناورات من المنافقين أو الفجار أو الكفار ..
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.
- التصنيف: