صلاة التوبة
يُستحب أداء هَذِه الصلَاة عِنْد عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة، أو متأخرة عنه.
عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيًّا قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُي اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللهَ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ» ثُمَّ تَلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [آل عمران من الآية:135]. [1]
سَبَب صَلَاة التَّوْبَة هُوَ وُقُوع المسلمِ فِي مَعْصِيّة سَوَاء كَانَت كَبِيرَة أَو صَغِيرَة [2]،فَيجب عَلَيْهِ أَن يَتُوب مِنْهَا فَوْرًا [3]، وَيُنْدب لَهُ أَن يُصَلِّي هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ، فَيعْمل عِنْد تَوْبَته عملا صَالحًا من أجَلّ القربات وأفضلها، وَهُوَ هَذِه الصَّلَاة، فيتوسل بهَا إِلَى الله تَعَالَى رَجَاء أَن تقبل تَوْبَته، وَأَن يغْفر ذَنبه. [4]
وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن قَاسم رَحمَه الله عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر أَيْضا، قَالَ: "وَفِيه اسْتِيفَاء، وُجُوه الطَّاعَة فِي التَّوْبَة، لِأَنَّهُ نَدم، فَتطهر، ثمَّ صلى، ثمَّ اسْتغْفر، وَإِذا أَتَى بذلك على أكمل الْوُجُوه غفر الله لَهُ بوعده الصَّادِق". [5]
وَقت صَلَاة التَّوْبَة
يُسْتَحبّ أَدَاء هَذِه الصَّلَاة عِنْد عزم الْمُسلم على التَّوْبَة من الذَّنب الَّذِي اقترفه، سَوَاء كَانَت هَذِه التَّوْبَة بعد فعله للمعصية مُبَاشرَة، أَو مُتَأَخِّرَة عَنهُ، فَالْوَاجِب على المذنب الْمُبَادرَة إِلَى التَّوْبَة -كَمَا سبق بَيَانه قَرِيبا- لَكِن إِن سوّف وأخّرها قُبِلت، لِأَن التَّوْبَة تُقبَل مَا لم يُحدث أحد الْمَوَانِع الْآتِيَة:
1- إِذا وَقع الإِياس من الْحَيَاة، وَحضر الْمَوْت، وَبَلغت الرّوح الْحُلْقُوم:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء من الآية:18].
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». [6]
2- إِذا نزل الْعَذَاب، قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غَافِر:85]. [7]
3- إِذا طلعت الشَّمْس من مغْرِبهَا، قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ} [الْأَنْعَام من الآية:158].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الْأَنْعَام من الآية:158]». [8]
وعنه رضي الله عنه، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ»". [9]
وَهَذِه صَلَاة تُشرع فِي جَمِيع الْأَوْقَات بِمَا فِي ذَلِك أَوْقَات النَّهْي، لِأَنَّهَا من ذَوَات الْأَسْبَاب الَّتِي تشرع عِنْد وجود سَببهَا. [10]
[1] - صحيح: رواه أحمد في "المسند" (47،56) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح،وأبو داود (1521)، والترمذي(406)، وابن ماجة (1395)،وابن حبان (623) انظر صَحِيح الْجَامِع (5738)، و"صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب" (1621).
[2] - نِهَايَة الْمُحْتَاج ( 2/122)، و"حَاشِيَة قليوبي" ( 1/216)، و"حَاشِيَة الشرواني" ( 2/238)، و"بذل المجهود" ( 7/378)، و"مرقاة المفاتيح"(2/187).
[3] - "مَجْمُوع فَتَاوَى" ابْن تَيْمِية 23 (23/215)، و"مدارج السالكين" (1/297)، و"شرح صَحِيح مُسلم" (17/59).
[4] - "شرح الطَّيِّبِيّ على الْمشكاة " (3/180).
[5] - "الإحكام شرح أصُول الْأَحْكَام" (1/221).
[6] - حسن: رواه أحمد في"المسند" (6160)، والترمذي (3537)، وابن ماجة (4253) وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
[7] - وَلِهَذَا لم تقبل تَوْبَة فِرْعَوْن لما أدْركهُ الْغَرق، حِين قَالَ: {آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس من الآية:90]. قَالَ الله تَعَالَى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91]، وَينظر تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 15/336.
[8] - البخاري (4635)، ومسلم 248-(157).
[9] - مسلم 43-(2703)، وأحمد (7711)، وابن حبان (629).
[10] - مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِية ( 23/215).
"صَلَاة التَّوْبَة وَالْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بهَا فِي الْفِقْه الإسلامي" الدكتور عبد الله بن عبد الْعَزِيز الجبرين. الناشر: الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورةطبعة: السنة 27 - العددان 103 و 104 - 1416/1417هـ/1996-1997م. (ص164-167).
الكاتب: صلاح عامر قمصان.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.
- التصنيف: