ابن عربي الصوفي بشهادة محبّه ومحقّق كتبه أبي العلا عفيفي
وأن ابن عربي قد استمد كتابه (الفصوص) من الفلسفة الأفلاطونية النصرانية وفلسفة فيلون اليهودي إلخ، ولا داعي لأنْ نقول بأن إيراد الكتاب والحديث بين هذه المذاهب لا معنى له سوى مجرد التغطية والتعمية على الحقيقة
ابن عربي الصوفي بشهادة محبّه ومحقّق كتبه أبي العلا عفيفي الحاصل على دكتوراه من جامعة كمبردج
نقل كلامه:
صلاح فتحي هَلَل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده.
وبعد:
فلم يأتِ بعد ابن عربي مَن خدمَ كتبه، كما خدمها الدكتور أبو العلا عفيفي، (دكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبردج، كما كتب تحت اسمه)، وهو أحد المتصوفة، المتخصصين في ابن عربي وتحقيق كتبه، ويشير إليه بتبجيل وإجلال، ويسميه بالشيخ الأكبر.
وقد نشر الدكتور أبو العلا عفيفي كتاب (الفصوص) لابن عربي، في دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، وكتب له مقدمة مطولة، تكلم فيها عن ابن عربي عامة، وعن (الفصوص) خاصة.
وحكى د. أبو العلا قصته مع ابن عربي قائلًا في مقدمته تلك (ص/ 20) ما نصه: «يرجع عهدي بدرس كتاب الفصوص إلى سنة 1927 عندما اختار لي المرحوم الأستاذ نيكولسون المستشرق الانجليزي المعروف محي الدين بن عربي موضوعًا لدراسة الدكتوراه بجامعة كمبردج» اهـ كذا قال بحروفه، إلى أنْ قال الدكتور (ص/ 21): «قبلتُ دعوة الأستاذ نيكولسون وأقبلت على قراءة كتب ابن عربي مبتدئًا بالفصوص، فقرأته مع شرح القاشاني عليه عدة مرات، ولكن الله لم يفتح عليّ بشيء! فالكتاب عربي مبين، وكل لفظ فيه إذا أخذته بمفرده مفهوم المعنى، ولكن المعنى الإجمالي لكل جملة أو لكثير من الجمل؛ ألغاز وأحاج لا تزداد مع الشرح إلّا تعقيدًا وإمعانًا في الغموض، ذهبت إلى الأستاذ أشكوه حالي، وأذكّره بأن هذه أول مرة استعصى عليّ فهم كتاب باللغة العربية إلى هذا الحد، فنصحني بترك الفصوص والإقبال على كتب ابن عربي الأخرى، فقرأت منها نيفًا وعشرين كتابًا ما بين مطبوع ومخطوط، منها الفتوحات المكية. وهنا بدأت تنكشف لي معاني الشيخ ومراميه بعدما أصبحت على إلْف باصطلاحاته وأساليبه. فلما عدت إلى الفصوص وجدته مع صغر حجمه خلاصة مركزة لأمهات تلك المعاني، ووضَحَ لأول مرة ما كان منه مستغلقًا، وأصبح يسيرًا عليّ فهم ما ألفيته بالأمس عسيرًا. مضت بعد عودتي من انجلترا سنين وأنا مشغول عن ابن عربي وفصوصه بدراسات أخرى في التصوف وغيره من فروع الفلسفة الإسلامية، ولكن عاودني الشوق القديم إلى مجالسة الشيخ الأكبر، فأقبلت مرة أخرى على الفصوص أعده للنشر والترجمة إلى الانجليزية والتعليق، وهأنذا أتقدم لقراء اللغة العربية بنشرة محققة لمتن الكتاب مستخلصة من ثلاثة مخطوطات» اهـ.
كتب د. أبو العلا هذا الكلام في 30 أغسطس 1946م، أي بعد ما يقارب (20) عامًا إلّا قليلًا.
فماذا قال د. أبو العلا عفيفي عن ابن عربي وعن كتابه الفصوص بعد (20) عامًا (إلا قليلا) قضاها في الدراسات الصوفية، وبعدما قرأ لابن عربي نيفًا وعشرين كتابًا، وحقّق كتاب (الفصوص) لابن عربي على ثلاثة مخطوطات؟
قال د. أبو العلا عفيفي في مقدمته على «الفصوص» (ص/7) ما نصه: «ولا مبالغة في القول بأن كتاب (الفصوص) أعظم مؤلفات ابن عربي كلها قدرًا، وأعمقها غورًا، وأبعدها أثرًا في تشكيل العقيدة الصوفية في عصره وفي الأجيال التي تلته، فقد قرر مذهب وحدة الوجود في صورته النهائية، ووضع له مصطلحًا صوفيًّا كاملًا، استمدَّه مِن كل مصدرٍ وَسِعَهُ أَنْ يستمدَّ منه؛ كالقرآن، والحديث، وعلم الكلام، والفلسفة المشائية، والفلسفة الأفلاطونية الحديثة الغنوصية المسيحية، والرواقية، وفلسفة فيلون اليهودي، كما انتفع بمصطلحات الإسماعيلية الباطنية، والقرامطة، وإخوان الصفا، ومتصوفة الإسلام المتقدمين عليه، ولكنه صبغ هذه المصطلحات جميعها بصبغته الخاصة، وأعطى لكلٍّ منها معنًى جديدًا يتفق مع روح مذهبه العام في وحدة الوجود»اهـ.
ويتمسك د. أبو العلا عفيفي بقوله (ص/ 25): «ولم يكن لمذهب وحدة الوجود وجود في الإسلام في صورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع الحقيقي لدعائمه والمؤسس لمدرسته» اهـ إلى آخر ما ذكر عفيفي.
وهذا كلام محبٍّ لابن عربي، خبير به، مبجل له، يلقبه بالشيخ الأكبر، ثم يعترف بأن ابن عربي قد استمد مذهبه من اليهودية والنصرانية، وأنه لم يكن له وجود في الإسلام قبل ابن عربي، إلى آخر ما ذكر، ونحن ننقل صورة ابن عربي كما رسمها محبّه والعارف به، ولا نتدخّل فيها بشيء الآن سوى بالنقل المجرد.
وقد لخص د. أبو العلا الأمر في خاتمة مقدمته بالقول: «خاتمة: هكذا اقتضى مذهب وحدة الوجود أن يغير ابن عربي مفاهيم الاصطلاحات الدينية ويستبدل بها مفاهيم أخرى فلسفية صوفية تتفق وروح مذهبه» اهـ.
والخلاصة التي نخرج بها من كلام د. أبي العلا عفيفي الخبير بابن عربي، هي:
أن ابن عربي قد غيّر مفاهيم المصطلحات الدينية واستبدلها بأخرى فلسفية تتفق وروح مذهبه، الذي لم يكن له وجود في الإسلام قبل ابن عربي.
يعني أن مذهبه يختلف عن المفاهيم الدينية، أو بعبارة أوضح أن مذهب ابن عربي يختلف عن الدين، فهو شيء والدين شيء آخر.
وأن ابن عربي قد استمد كتابه (الفصوص) من الفلسفة الأفلاطونية النصرانية وفلسفة فيلون اليهودي إلخ، ولا داعي لأنْ نقول بأن إيراد الكتاب والحديث بين هذه المذاهب لا معنى له سوى مجرد التغطية والتعمية على الحقيقة، ولاشك أن كلام د. أبي العلا عن ألغاز ابن عربي وأحاجيه يدل على قصد ابن عربي التعمية والتخفي واستخدام التقيّة، بينما هو يستمد كتابه من الأفلاطونية وفيلون اليهودي إلخ.
هذه هي صورة ابن عربي التي رسمها أحد محبّيه، بل والمتخصص به وبكتبه. والله المستعان.
- التصنيف: