تأملات علمية في إبداع الذات الإلهية - الحلقة الأولى – الخلية الحية
ولكن إذا تأملنا في الكون وما يحويه من مخلوقات سنلاحظ بوضوح جلي حجم التعقيد والترتيب والتنظيم الدقيق الذي صاحب عملية نشوء ذلك الكون؛ مما لا يدع مجالاً للشك في وجود "المصمم الذكي" بلغة العلماء؛ أو "المبدأ الأول" بلغة الفلاسفة؛ أو "الله" بلغة أصحاب الديانات، وفي تلك السلسلة سنستعرض حجم التعقيد المذهل لهذا الكون وما يحتويه من كائنات، ولنبدأ بإستعراض أصغر لبنة للحياة؛ ألا وهي "الخلية الحية".
تأملات علمية في إبداع الذات الإلهية
بقلم/ أحمد السعيد
إن المتأمل في هذا الكون المادي بكل ما يحتويه من مجرات وكواكب ونجوم وكائنات حية يدرك حجم التعقيد الموجود بهذا الكون؛ هذا التعقيد الذي يكشف عن وجود قوة عاقلة بالغة الذكاء مطلقة القدرة هي من صممت كل ذلك الإبداع، فكلما لاحظنا حجم التعقيد في هذا الكون والذكاء الذي يكمن خلف ذلك التعقيد كلما دل ذلك على وجود "المصمم الذكي"؛ ذلك الواجد الماورائي الذي خلق وصمم كل تلك الموجودات بمنتهى الإبداع والعبقرية، وعلى العكس من ذلك فكلما لاحظنا حجم العشوائية والفوضى الموجودة في الكون كلما كانت إحتمالية نشوءه بالصدفة أقرب إلى الحقيقة.
ولكن إذا تأملنا في الكون وما يحويه من مخلوقات سنلاحظ بوضوح جلي حجم التعقيد والترتيب والتنظيم الدقيق الذي صاحب عملية نشوء ذلك الكون؛ مما لا يدع مجالاً للشك في وجود "المصمم الذكي" بلغة العلماء؛ أو "المبدأ الأول" بلغة الفلاسفة؛ أو "الله" بلغة أصحاب الديانات، وفي تلك السلسلة سنستعرض حجم التعقيد المذهل لهذا الكون وما يحتويه من كائنات، ولنبدأ بإستعراض أصغر لبنة للحياة؛ ألا وهي "الخلية الحية".
الخلية الحية مركبة فضاء عملاقة !:
يقول الدكتور "ميشيل دانتون" أحد أشهر المتخصصين في علم الأحياء الجزيئي "لابد من تكبير الخلية مليون مرة لكي نتوصل إلى حقيقتها التي أنتجت لنا علم الأحياء الجزيئي"، ويرى دانتون أن الخلية الحية تشبه مركبة فضاء عملاقة تغطي أجواء مدينة كبيرة مثل لندن أو نيويورك؛ ولها ملايين الأبواب التي إذا دخلت من إحداها ستفاجأ بحجم التكنولوجيا المتقدمة والنظام المبهر الذي يكمن بداخل تلك المركبة الفضائية!.
تنوع أشكال الخلايا حكمة إلهية عظيمة:
من إبداع ولطف الخالق عز وجل أنه جعل كل أنواع الخلايا في جسم الإنسان تتفق معاً في أنظمتها إلا أنها تختلف مع بعضها البعض من حيث الشكل والحجم، وذلك حتى يؤدي كل نوع من أنواع الخلايا وظيفته على أكمل وجه، فعلى سبيل المثال فإن خلايا الأعصاب يمتد طولها إلى المتر تقريباً، وهي تبدأ من العمود الفقري وتنتهي عند القدم، وذلك حتى تصل الأوامر والإشارات من المخ إلى المواقع المطلوبة في أسرع وقت، فلو كان حجم الخلايا العصبية أصغر لحدثت فجوة زمنية بين إشارات المخ وبين الاستجابة الفعلية لها!، فلو أراد الواحد منا تحريك يده لكان سيمكث بعض الوقت حتى يتمكن من تحريكها، ولكن الحكمة الإلهية قد أبت إلا أن تنتقل الإشارات من المخ إلى المواقع المطلوبة في أسرع وقت ممكن.
أما خلايا الدم فيصل طولها إلى 7 ميكرومتر على عكس ما كانت عليه خلايا الأعصاب؛ وذلك حتى تمر بسرعة من خلال الشعيرات الدموية، كما أن شكلها وكأنها أسطوانة صغيرة جداً يجعلها قادرة على امتصاص الأوكسجين وطرد ثاني أكسيد الكربون بصورة عالية جداً.
وهكذا فكل نوع من الخلايا يمتاز بشكل وحجم يتناسب مع وظيفته.
تعقيد الخلية البشرية:
يبلغ حجم الخلية البشرية 1/ 100 جزء من الملليمتر!!، ويبلغ وزنها جزء من المليار من الجرام!!، ومع هذا الحجم المتناهي في الصغر إلا أن الحكمة الإلهية قد اقتضت أن يكون بداخل تلك الخلية العديد من الأجهزة متناهية الدقة (العضيات)؛ وكل جهاز منها له مهمة ووظيفة محددة!!، ومن أهم تلك العضيات التالي:
- الشبكة الإندوبلازمية: وهي شبكة دقيقة تتألف من أنابيب متناهية الصغر، وهي تربط بين السيتوبلازم (السائل الذي يملأ الخلية) وبين نواة الخلية، وتقوم هذه الشبكة بتصنيع المواد الأساسية للخلية، وتستغرق عملية تصنيع المواد تلك ما لا يتجاوز الخمس دقائق، بعد ذلك تنتقل تلك المواد إلى "جهاز جولجي".
- جهاز جولجي: وهو جهاز بالغ الدقة، يتألف من أربع أو خمس طبقات، ومهمته هي استقبال المواد الخام من الشبكة الإندوبلازمية وتحويلها إلى مواد أكثر نضجاً، وتستغرق تلك العملية ساعتان، وبعد ذلك تقوم تلك المواد بالتجمع بالقرب من جدار الخلية على شكل حبيبات استعداداً للعبور خارج الخلية، حيث تخرج من خلال قناة خاصة بالعضو المعني.
وهكذا فإن عملية إنتاج المواد الضرورية لجسم الإنسان تتم بمنتهى الدقة والتنظيم، فعلى سبيل المثال فإن خلايا ثدي المرأة تأتيها الأوامر الإلهية بعد الولادة مباشرة بإنتاج الحليب، ومثال آخر فإن خلايا البنكرياس وخلايا بطانة المعدة والأمعاء يبرز دورها في إفراز الخمائر الهاضمة بعد كل طعام؛ وبشكل خاص بعد تناول الوجبات الدسمة، يا له من تنظيم دقيق وحكيم يحتاج إلى تأمل عميق؛ ويا له من لطف ورحمة أن يهيئ الله عز وجل كل ذلك لمصلحتك أيها الإنسان؛ لطف نحن عنه غافلون !.
- الميتوكوندريا: وهي أجهزة دقيقة توفر للجسم كل الطاقة اللازمة لكي يظل على قيد الحياة، ويتراوح عددها من 100 إلى الآلاف منها داخل الخلية الواحدة، ولما كان جسم الإنسان يحتوي على 100 تريليون خلية، فإن عدد عضيات الميتوكوندريا داخل جسم الإنسان سيشكل رقم فلكي لا يستوعبه العقل البشري!!.
هذا وتقوم الخلية الحية بإنتاج أعداد كبيرة من الميتوكوندريا كلما دعت الحاجة لذلك، كما تقوم الميتوكوندريا باستنساخ نفسها عندما تشيخ قبل أن تموت من أجل استمرار الحياة!.
وتتمثل الطاقة التي تنتجها الميتوكوندريا في جزيئة "الأدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP"، ويتم إنتاج 10 مليون جزيئة منها في الثانية الواحدة!!.
لا تراقب تنفسك!!:
من لطف الخالق الحكيم أنه جعل عملية التنفس تتم بشكل لاإرادي، ولو كان على الإنسان أن يراقب عملية التنفس لنسي أن يمارس تلك العملية خلال إنشغاله في أحد المهام اليومية، وقد هيأ الخالق "المركز التنفسي" لممارسة تلك العملية بشكل لاإرادي، وهو موجود في منطقة معينة في الدماغ، و يبلغ حجمه حجم حبة العدس، وتنقسم الخلايا العصبية بداخله إلى ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى: وهي المنوطة باستنشاق الهواء وإدخاله إلى جسم الإنسان.
- المجموعة الثانية: وهي التي تتحكم في سرعة عملية التنفس ومسيرتها.
- المجموعة الثالثة: وهي خلايا خاملة وغير نشطة، ولكنها تتدخل في العملية عندما نحتاج لكميات أكبر من الهواء؛ إذ ترسل تلك المجموعة إشارات إلى عضلات البطن بالمشاركة في عملية التنفس.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك مجموعة أخرى من الخلايا التي تضبط كمية الأوكسجين الداخلة إلى الجسم وثاني أوكسيد الكربون الخارج منه، وتتمثل تلك المجموعة من الخلايا في شكل أجهزة استقبال حساسة جداً توجد في بعض الأوعية الدموية الكبيرة، وتقوم تلك الأجهزة بإرسال الإشارات إلى المركز التنفسي في الدماغ بكمية الأوكسجين المطلوبة، وهكذا تنتظم عملية التنفس بشكل لاإرادي، فسبحان من خلق كل هذا الإبداع!!.
معجزة الــDNA:
نأتي للمعجزة الكبرى؛ والآية العظمى في الخلية الحية، ألا وهي الحمض النووي "DNA" وهو موجود في نواة الخلية، وهو شريط يحتوي على المعلومات الخاصة بالشخص كلون البشرة، ولون الشعر، وما إلى ذلك من صفات جسدية، والمعلومات مكتوبة بشكل معقد ومنظم للغاية؛ ويشهد على ذلك القائد الأكبر لموجة الإلحاد الجديدة "ريتشارد دوكينز" إذ يقول (الشفرة الآلية للجينات تشبه شفرة الكومبيوتر بشكل خارق)، أو كما يذكر بيل جيتس مبتكر البرمجة الإلكترونية (الDNA مثل برنامج الكومبيوتر، لكن أبعد بمراحل عن أقصى برمجة إلكترونية صنعها الإنسان).
هذا ولو أردنا تحويل المعلومات المخزنة في الـ DNA إلى خطوط وحروف سنجدها تحتوي على ثلاثة مليارات حرف!!، أي ما يعادل مليون صفحة!!!، كل هذا في الشريط الموجود داخل نواة الخلية؛ تلك الخلية التي يبلغ حجمها 1/100 من الملليمتر، والعجيب أنه عندما تتكاثر الخلايا فإنه يلزم نسخ الـ DNA لتكوين خلية جديدة وتحدث عملية النسخ تلك في زمن يتراوح ما بين الــ20 : 80 دقيقة، بدون حدوث أي خطأ أو نقص من أي نوع!!!!.
الأكثر غرابة وعجباً هو طول الــ DNA داخل الخلية الواحدة، إذ أن طوله يبلغ مترين!!!، العجب كل العجب في طول الــDNA الموجود في جسم الإنسان؛ فإذا افترضنا أن هناك إمكانية لاستخراج الــ DNA من كل خلايا جسم الإنسان وربطها ببعضها البعض لأصبح أمامنا شريط يبلغ طوله المسافة بين الأرض والشمس مضروباً في 1333 مرة !!!!!!.
كانت تلك رحلة قصيرة داخل الخلية الحية وهي أصغر لبنة للحياة؛ وسوف نقوم باستكشاف آيات الله في خلقه في الحلقات القادمة فتابعونا.
المراجع:
- السلوك الواعي لدى الخلية- هارون يحيى.
- الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان وتفنيد نظرية داروين- د. محمد نبيل النشواتي.
- العلم ودليل التصميم الذكي في الكون- د. مايكل بيهي وآخرين- ترجمة: رضا زيدان.
- معجزة الله في الــ DNA - مقطع مرئي للدكتور صبري الدمرداش مع الدكتور محمد العوضي.
- التصنيف: