قبل أن نقول وداعاً رمضان

منذ 2018-05-26

حينها ستدرك أن تلك الأيام الفاضلة قد أفلتت من يديك، وأنك ستنتظر أحد عشر شهراً حتى يأتي رمضان آخر، وربما ينتهي أجلك ولا تتمكن من أن تدركه، فيتملكك الشعور بالحسرة، وتتمنى أنك ما زلت تعيش الأيام الأوَلَ من رمضان..


ابدأ رمضان من نهايته..

تخيّل تلك اللحظات التي يحمل فيها رمضان حقائبه ويرحل بلا استئذان..

في ذلك اليوم تختلط المشاعر، ولا تدري أتفرح بأن أتممت الطاعة في هذا الشهر العظيم، أم تحزن على فراق الأيام التي تضاعَف فيها الحسنات، والليالي التي يُعتق فيها من النار مَن يقع عليه الاختيار.

ويختلط الرجاء والخوف.. رجاءٌ في خير يراه العبد أمامه في الآخرة.. وخوفٌ من أن يؤول الصيام والقيام هباءً منثوراً؛ بشركٍ خفيّ، ورياءٍ محبط.

تخيّل يوم رمضان الأخير.. واستحضر دوماً لحظة الفراق التي لن ينفع فيها ندمٌ على تعتعة في الخطى، وخروج عن جادة المجاهدة.

حينها ستدرك أن تلك الأيام الفاضلة قد أفلتت من يديك، وأنك ستنتظر أحد عشر شهراً حتى يأتي رمضان آخر، وربما ينتهي أجلك ولا تتمكن من أن تدركه، فيتملكك الشعور بالحسرة، وتتمنى أنك ما زلت تعيش الأيام الأوَلَ من رمضان..

يروى عن علي رضي الله تعالى عنه، أنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري! من هذا المقبول فنهنّيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟".

عشْ ليلتك الأخيرة الآن، وأجب على سؤالَي أمير المؤمنين، أمقبول أم محروم أنت؟ أموفَّقٌ لعبادة خالصة، وعطاء جزيل، وجهاد صادق، ومجاهدة لا تعرف الكلل؟ أم أن الدنيا ألْهتك عن استغلال مواسم الخير والصلاح؟

وكأني بك إنْ كنت ذا نفسٍ لوامة؛ تندب حظك على أيام مضت ولن تعود.. تحاول أن تمسك بخطامها، ولكن عبثاً تحاول.. تصرخ بها: "قفي.. عودي إلى الوراء قليلاً، لعلي أعمل فيكِ صالحاً".. ولكن هيهات!

هيهات أن تعود وقد كتب الله عليها أن تمضي مسرعة بما فيها من حسنات مضاعفة، وفضائل متعددة، ونفحات بالخير محمَّلة..

تقول لها "كوني أكثرَ أو كوني أطول".. ولكن هيهات أن تكون كما تتمنى وقد جعلها الله تعالى "أياماً معدودات"، ونبّهنا على ذلك كي لا نفوّت ساعاتها من غير صيام عن الطعام والشراب والشهوات، أو تلاوة للقرآن خاشعة، أو مكابدة في الليل بطول القيام، أو عطاء لا يخشى صاحبه الفقر، أو ذِكر كثير لا يخالطه غفلة أو فتور، أو دعوة إلى الله تصلح البلاد والعباد، أو جهاد لأعداء الله لا يعرف هوادةً أو نكوصاً عن الإقدام والمثابرة.

عشْ معي تلك اللحظات العصيبة، يوم تقترب الساعة الأخيرة من رمضان، وتوشك شمسه على الغروب، ويلملم هذا الضيف العزيز أغراضه استعداداً للرحيل.. أحقاً قد حانت لحظة الوداع التي لا تتخلف ولو لثانية؟ إيهٍ أيها الوداع ما أقساك وما أفظّك! حتى إنك لا تقبل أن تنظر إلينا ولو بطرف عينك ونحن نتوسل إليك أن تتأخر ولو قليلا..

وبعد أخي الحبيب..

فما زلتَ في أول الطريق.. ضعْ على الصراط قدميك، واعزم على مواصلة السير إلى النهاية، بثبات الأشاوس، وإرادة الأوائل.. وإياك أن توجه بصرك إلى دون القمة، وسَلِ الله تعالى أن تكون من المقبولين. 

وائل البتيري

  • 2
  • 0
  • 10,365

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً