سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا
الاحتجاج بالقدر يكون صوابا في عمل الطاعة امتنانا لله الذي مِنْه النعم الدينية والدنيوية، ولا يُقبل في المعصية.
وإذا قرأت قول ربك تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام من الآية:148]، فاعلم أنه قد ذكر لنا ربنا تعالى اعتذار إبليس بالقدر عن معصيته وانحرافه فقال {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}.. ثم ذكر تعالى عن المشركين قرنا بعد قرن، ومنحرفين بعد أسلافهم، أنهم يعتذرون عن جرائمهم بما ينسبونه للقدر.
يجد كل منهم في نفسه من الإرادة للخير والإرادة للشر ما يميز هذه عن تلك، لكنه يفضل الشر ويتبعه وينفر من الخير ويكرهه، ثم يعتذر عن ذلك أنه القدر..!
القدر حق، ولكننا لا نعلم المكنون في عالم الغيب، ولم نُكلّف أن نعرفه، بل كُلفنا أن نطيع الأمر الشرعي، وأما القدر فيوجب لنا التوكل على الله تعالى.. لا الاعتذار بالقدر، فإنه لا يظهر لنا إلا بعد اختيارنا.
القدر يشمل الجميع، فأصحاب الجنة وأصحاب النار كلاهما يشملهما القدر، فلماذا تختار دار الألم والإهانة بالقدَر ويمكن لك أن تختار دار النعيم وتتوكل على ربك في الوصول اليها مستعينا أيضا بالقدَر..؟
كلما انحسر العزم واستسلم امرؤ للغواية، كُفرا أو فسقا، أو تفريطا، اعتذر بالقدر لتغطية ما نقص من جهده وانصراف قلبه وإيثاره للشر أو المحرم.
نكتة الأمر ومحوره في الحقيقة لا يجادل فيها مخلوق وهي أنه "لم يعص عاصٍ لأنه وجد نفسه مجبرا على المعصية بل لأن نفسه تكره الطاعة وتنفر منها"، ثم يغطي كراهية نفسه أو تفريطه أو كسله وتوانيه عن أمر ربه، بالقدر معتذرا.
ولقد ذكر الله عن أهل النار أنهم: {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف من الآية:101]، والمعنى أنهم لا يستطيعون سمعا لا لعدم القدرة بل لكراهتهم له. عدم استطاعة نابعة من بغض الأمر الشرعي لا من افتقاد القدرة عليه.
لم يقبل الله من أحد عذرا بالقدر ولم يقبل رسول الله من بعض الصحابة اعتذاره عن عدم قيامه بالليل أن نفسه بيد الله يرسلها وقتما يشاء، فانصرف رسول الله مغضبا لم يرض اعتذاره وهو يتلو {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف من الآية:54]. فهذا لوم ورد منه صلى الله عليه وسلم للإعتذار بالقدر عن التفريط.
الايمان بالقدر قوة ضخمة وهائلة قد تغيّر العالم إذا آمنت به فانطلقت في اتجاه الأمر الشرعي متوكلا مستعينا بمن يُقَدّر الأقدار، فالاستعمال الصواب هو في مِثْل ألا يمنعك عن الجهاد ـإيمانا بالقدر ـ {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران من الآية:154]، هذا استعمال صواب للقدر..
فلا يعتذرن كافر ولا فاجر ولا ظالم بأقدار الله، فهو لا يعلمها لكنه يعلم اختياراته ونفرته من الحق..
ولا ينس مؤمن أنه أطاع بعون الله وتوكله عليه..
الاحتجاج بالقدر يكون صوابا في عمل الطاعة امتنانا لله الذي مِنْه النعم الدينية والدنيوية، ولا يُقبل في المعصية حيث لم يُقبل الاعتذار به من إبليس ولا من أتباعه، كفرة ولا فجرة.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.
- التصنيف: