مقالات في السّلوك وتقوية الإيمان
يتوصّل الشيطان إلى إغواء الإنسان بأن يُزيّن له العصيان ويهوّن له من عقوبته وينسيه خطره، فيعده أنه العصيان الأخير.
* يَضعُف الإيمان وتقع الذّنوب بأحد سببين:
1- مخالطة قرين السوء من الإنس: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚإِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء من الآية:140].
2- الانزواء والخلوة بالقرين الشيطاني: «فعليكم بالجماعةِ؛ فإنما يأكل الذِّئبُ من الغنمِ القاصيةِ» (صحيح الترغيب [427]).
* أَبعدُ النّاس عن التّوبة من كان فيه شيئان:
1- الاستهانة بذنبه،
2- الهجران لكلام ربّه.
ينسى الدّاء فيُعرض عن الدّواء، فيتراكم شرّه حتّى يُطبع على قلبه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:57].
* يتوصّل الشيطان إلى إغواء الإنسان:
1ـ بأن يُزيّن له العصيان كما قال -تعالى-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر من الآية:8]، وقال: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام من الآية:43].
2 ـ ويهوّن له من عقوبته كما قال سبحانه: {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف من الآية:169].
3ـ وينسيه خطره كما قال -تعالى-: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} [النساء من الآية120]؛ فيعده أنه العصيان الأخير الذي لن يحول بينه وبين التوبة بعده حائل؛ فإذا صدّقه فقد صدّق الحائل المحتال نفسه، مع وقوعه في أعظم المقامرات حيث لا يأمن أن يقبضه هنالك الذي نفسه بيده... ولو أمن ونجا من ذلك لظنّ أنّه من حبّ الله له فلا يخشى أنّه عنده من زمرة : {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران من الآية:178]، وإلا فما نجاته من الموت وهو يعصي منجية له من عودة عدوّه إليه بنفس السّبيل بل بأيسر منه، لأنّه لمّا عجز أولا عن ردّ وسوسته والقلب حيّ، فهو أعجز منه في الثانية وأعجز في الثالثة... وهكذا حتى يتعوّد على جرأة العصيان والرّكون إليه والإدمان عليه فيستحكم في القلب من حلاوته المسمومة ما يمرض قلبه بل يميته؛ فيعجز عن المدافعة تمام العجز وتكون التوبة أشق عليه من ارتقاء شواهق الجبال أو التردّي منها، بل ينسى أصلا أنّه عاص تلزمه التوبة؛ قال -تعالى-: { أَحْصَاهُ اللَّـهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة من الآية:6]، وقال: {نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر من الآية:19].
فإذا وُعظ وذُكّر لم يقدر على استجابةٍ، كما قال -تعالى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:57]، وقال -تعالى-: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل من الآية:24].
* وينجو المؤمن من وساوس الشيطان في حالين:
- الأوّل: أن تهجم الوساوس على القلب وهو يقظ وفي حال زيادة إيمان، فيدفعها بقوة الإيمان لكنّ ذلك غير مأمون لأنّ الإيمان يزيد وينقص.
- والثاني: أن تهجم على القلب بعد أن يكون جاهد نفسه ودفعها مرّات حتّى تعوّد على عدم الاستجابة لها وصار تركُها إلفًا له وطبعًا، فدَفْع الوسوسة لو وردت على قلبه وهو على هذا الحال سهل، فههنا الأمان والنّجاة...
* حالك مع الله هو حالك مع القرآن:
فأكثر ما يَقْوى الإيمان أيّام إقبالك على كتاب الله، وأكثر ما يتسلّط الشيطان أيام هجرانه...
في الأولى: نصيبك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أهلُ القرآنِ هُمْ أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ» (صحيح الترغيب [1432]) بحسب الإقبال.
وفي الثانية: النصيب من قول الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] بحسب الهجران.
* وكذا حالك مع الله هو حالك مع الصّلاة:
إذ مسافة النّجاة من الشهوات هي بمقدار خطوتين؛
خطوة إلى الصّلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت من الآية:45]؛
فمن خطاها لم يبقَ دون نجاته إلا خطوة صبر؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة من الآية:153].
ومن لم يَخطُها سقط من البداية؛ {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم من الآية:59].
* وحاصل وسائل الثّبات هي في ذكر الله؛ ومن ذلك:
1- الإكثار من قول: "لا إله إلا الله"؛ فإنّها: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ} [إبراهيم من الآية:24]، {يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم من الآية:27] وهو: لا إله إلا الله.
2- الإكثار من تلاوة القرآن والاستماع له والإنصات بتدبّر وخشوع: {كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖوَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان من الآية:32].
3- سماع المواعظ والقصص والسّير وقراءتها: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120].
4- المبادرة إلى العمل بالموعظة قبل نسيانها: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء من الآية:66].
5- سؤاله تعالى ودعاؤه بالثّبات: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147].
* فأعظم أسباب الثبات:
إدمان ذكر الله تعالى: {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال من الآية:45].
ومن أكبر أسباب التّذبذب والاضطراب: قلّة الذّكر: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ} [النساء:142-143].
*من أعظم ما يُقوّي الإيمان ويثبّت الإنسان أمران:
1- إدمان ذكر الله، وبخاصّة الصّلاة وتلاوة القرآن والسّماع له مع التّدبّر والتّفكّر؛ قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2-4].
ولذا يشمل الذّكر أيضًا: عموم طاعة الله وترك معصيته لأنّ ذلك من= ذكره تعالى واستحضار مقامه، ولذا قال -تعالى-: {وَيَزِيدُ اللَّـهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم من الآية:76]..
لكن لمّا كان الإنسان لا يقدر على المداومة على الذّكر لأصل الغفلة والنّسيان والميل للمعصية والهوى فيه: احتاج لتقوية إيمانه والإكثار من الذّكر إلى أمر آخر وهو=
2- الصّاحب المذكّر؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالجماعةِ؛ فإنما يأكل الذِّئبُ من الغنمِ القاصيةِ» (صحيح الترغيب [427])، فيكون سبيل المؤمن= مرافقة الصالحين ومصاحبة الأتقياء الزهّاد ممّن تُذكّر رؤيته بالله تعالى والدّار الآخرة، ولذا جاء في الحديث: «أولياءُ اللهِ تعالى، الذينَ إِذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ تعالى» (صحيح الجامع [2587])، وقال أبو عوانة: "رأيت محمد بن سيرين في السوق، فما رآه أحد إلا ذكر الله"!
وهذا يقتضي بالأَوْلى: مفارقة قرين السّوء من الإنس كما قال -تعالى-: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚإِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء من الآية:140]...
كما يقتضي الذّكر: مفارقة قرين السّوء من الجنّ، كما قال -تعالى-: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36]...
الكاتب: الشيخ قيس الخياري.
المصدر: صفحة الشيخ على موقع "فيسبوك".
- التصنيف: