ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا
أبو الهيثم محمد درويش
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر 4 – 6]
- التصنيفات: التفسير -
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} :
لا يحاول رد رسالات الله و نوره إلا من طمس الله بصيرته و أغلق قلبه على الكفر , فعلى المسلم أن يتميز ببصيرته و تمسكه بدينه و لا يغتر بعطاء الله لأعدائه في الدنيا فإنما هو محض ابتلاء و اختبار لهم و الله يملي و يمهل عدوه عساه أن يتوب , فإذا أوغل الكافر المعرض المعاند في غيه أخذه سبحانه و لم يفلته , و فضيحته منتظرة يوم القيامة في مشهد فيه من الأهوال و الشدائد ما فيه.
و هؤلاء المكذبين لم يأتوا بجديد , فكم من أمة خلت و انتهت كذبت و كفرت و عاندت فأهلكها الله و ها هم الآن في التراب ينتظرون الأهوال القادمة و غير المنتهية , و مشاهد الخزي المؤلمة و الحسرات المتتابعة, جزاء وفاقاً و حكماً عدلاً لتقر أعين المؤمنين بهوان عدوهم و حسراته يوم القيامة.
قال تعالى:
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر 4 – 6]
قال السعدي في تفسيره:
يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، فهذا من صنيع الكفار، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال: { { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } } أي: ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، بل الواجب على العبد، أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له.
ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه، { {و } } أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه { {هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} } من الأمم { {بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } } أي: يقتلوه. وهذا أبلغ ما يكون الرسل الذين هم قادة أهل الخير الذين معهم الحق الصرف الذي لا شك فيه ولا اشتباه، هموا بقتلهم، فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء إلا العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه؟ ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية: { {فَأَخَذْتُهُمْ } } أي: بسبب تكذيبهم وتحزبهم { { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} } كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو إلا صيحة أو حاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون.
{ {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } } أي: كما حقت على أولئك، حقت عليهم كلمة الضلال التي نشأت عنها كلمة العذاب، ولهذا قال: { {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن