مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} [ غافر 34]
{فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ} :
لازالت رسالة ونداء مؤمن آل فرعون إلى المصريين , يحذرهم من عنادهم لرسول الله موسى عليه السلام و عداوتهم لله ولرسوله و للمؤمنين , ويذكرهم بأنهم اتخذوا نفس الموقف من قبل مع يوسف عليه السلام وظلوا في شك من نبوة يوسف و رسالته ودعوته إلى التوحيد , حتى مات يوسف , تلبسهم الضلال واعتقدوا أن الله لن يرسل لهم من بعده رسولاً بالتوحيد , فارتضوا بالشرك و اغلقوا قلوبهم أمام نور الإسلام , و هكذا يتسبب عناد المعاندين في بعدهم عن الله واستمرارهم في غيهم و كفرهم بسبب ما ران على قلوبهم فأغلقها و حجب عنها النور المبين.
قال تعالى:
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} [ غافر 34]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } } بن يعقوب عليهما السلام { {مِنْ قَبْلُ} } إتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له، { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } في حياته { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } ازداد شككم وشرككم، و { { قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } } أي: هذا ظنكم الباطل، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، ويرسل إليهم رسله، وظن أن الله لا يرسل رسولا ظن ضلال، ولهذا قال: { {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } } وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال، وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله، وكذبوا رسوله.
فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه، فجزاؤه أن يعاقبه الله، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: { {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} } { {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } } { {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: