ذلكم الله ربكم خالق كل شيء
أبو الهيثم محمد درويش
{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر 62 - 65]
- التصنيفات: التفسير -
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} :
الله وحده خالق الدنيا ومافيها علويها وسفليها , فكيف يصرف عاقل عن توحيده و هو الخالق لا خالق غيره؟
إنما يصرف عن توحيد الله من امتلأت قلوبهم حقداً وغلاً على الله ورسله وأوليائه.
الله تعالى جعل الأرض مستقراً للعباد وهيأ لهم فيها معايشهم ليتمكنوا من عبادته لا لينشغلوا بالأرض أو بالمعايش , وجعل السماء بناء هائلاً لا يعلم مداه إلا الله سبحانه, وصور الإنسان في أحسن الصور, ورزق خلقه من طيبات الطعام والشراب و المناكح , لا لينشغلوا بالنعم و إنما ليصرفوها للمنعم فيشكروه على نعمه و لا يعصوه بها.
هو الحي الذي لا يموت و كل الخلق إلى فناء , دينه دين الحق و ما على الخلق إلا إخلاص الدين لله طائعين خاضعين لعظمته سبحانه.
قال تعالى:
{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر 62 - 65]
قال السعدي في تفسيره:
{ {ذَلِكُمُ} } الذي فعل ما فعل { {اللَّهُ رَبُّكُمْ} } أي: المنفرد بالإلهية، والمنفرد بالربوبية، لأن انفراده بهذه النعم، من ربوبيته، وإيجابها للشكر، من ألوهيته، { {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } } تقرير أنه المستحق للعبادة وحده، لا شريك له، { {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} } تقرير لربوبيته.
ثم صرح بالأمر بعبادته فقال: { {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} } أي: كيف تصرفون عن عبادته، وحده لا شريك له، بعد ما أبان لكم الدليل، وأنار لكم السبيل؟"
{ { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } } أي: عقوبة على جحدهم لآيات الله، وتعديهم على رسله، صرفوا عن التوحيد والإخلاص، كما قال تعالى: { {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } }
{ { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } } أي: قارة ساكنة، مهيأة لكل مصالحكم، تتمكنون من حرثها وغرسها، والبناء عليها، والسفر، والإقامة فيها.
{ {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} } سقفًا للأرض، التي أنتم فيها، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، { {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} } فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: { {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} }
وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، يليق به، ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدمين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور.
{ {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} } وهذا شامل لكل طيب، من مأكل، ومشرب، ومنكح، وملبس، ومنظر، ومسمع، وغير ذلك، من الطيبات التي يسرها الله لعباده، ويسر لهم أسبابها، ومنعهم من الخبائث، التي تضادها، وتضر أبدانهم، وقلوبهم، وأديانهم، { {ذَلِكُمُ } } الذي دبر الأمور، وأنعم عليكم بهذه النعم { {اللَّهُ رَبُّكُمْ } } { {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} } أي: تعاظم، وكثر خيره وإحسانه، المربي جميع العالمين بنعمه.
{ {هُوَ الْحَيُّ } } الذي له الحياة الكاملة التامة، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية، التي لا تتم حياته إلا بها، كالسمع، والبصر، والقدرة، والعلم، والكلام، وغير ذلك، من صفات كماله، ونعوت جلاله.
{ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } } أي: لا معبود بحق، إلا وجهه الكريم. { {فَادْعُوهُ} } وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة { {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } } أي: اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل، وجه الله تعالى، فإن الإخلاص، هو المأمور به كما قال تعالى: { {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } }
{ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } أي: جميع المحامد والمدائح والثناء، بالقول كنطق الخلق بذكره، والفعل، كعبادتهم له، كل ذلك للّه تعالى وحده لا شريك له، لكماله في أوصافه وأفعاله، وتمام نعمه.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن