فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين
أبو الهيثم محمد درويش
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} . [فصلت 4 – 8]
- التصنيفات: التفسير -
{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} :
أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ببيان السبيل الموصل لمرضاة الله , و الذي يبدأ بكون الرسول بشر مرسل من الله لا يملك من الأمر شيئاً إلا بإذن الله , و أن الله وحده صاحب الملك و الملكوت, فاستقيموا واثبتوا على أمر الله و طريقه , و سارعوا بالاستغفار و العودة كلما داهمكم ذنب , ولا تكونوا كالمشركين الذين أعرضوا عن كلمات الله وأوامره وتوجيهاته , فلم يزكوا أنفسهم بصلاة أو زكوات أو صدقات أو عبادة باطنة أو ظاهرة , ولم يؤمنوا بالآخرة إيماناً حقيقياً يترتب عليه عمل.
و أبشروا بأن من سلك سبيل الله و انتهج طريقه فإن موعده الجنة , حيث النعيم المقيم و الثواب المستمر غير المقطوع.
قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} . [فصلت 4 – 8]
قال السعدي في تفسيره:
{ {قُلْ} } لهم يا أيها النبي: { {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} } أي: هذه صفتي ووظيفتي، أني بشر مثلكم، ليس بيدي من الأمر شيء، ولا عندي ما تستعجلون به، وإنما فضلني اللّه عليكم، وميَّزني، وخصَّني، بالوحي الذي أوحاه إليَّ وأمرني باتباعه، ودعوتكم إليه.
{ {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } } أي. اسلكوا الصراط الموصل إلى اللّه تعالى، بتصديق الخبر الذي أخبر به، واتباع الأمر، واجتناب النهي، هذه حقيقة الاستقامة، ثم الدوام على ذلك، وفي قوله: { { إِلَيْهِ} } تنبيه على الإخلاص، وأن العامل ينبغي له أن يجعل مقصوده وغايته، التي يعمل لأجلها، الوصول إلى اللّه، وإلى دار كرامته، فبذلك يكون عمله خالصًا صالحًا نافعًا، وبفواته، يكون عمله باطلاً.
ولما كان العبد، -ولو حرص على الاستقامة- لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور، أو ارتكاب منهي، أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال: { {وَاسْتَغْفِرُوهُ } } ثم توَّعد من ترك الاستقامة فقال: { { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الذين لا يؤتون الزكاة } } أي: الذين عبدوا من دونه من لا يملك نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا ودنسوا أنفسهم، فلم يزكوها بتوحيد ربهم والإخلاص له، ولم يصلوا ولا زكوا، فلا إخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة، ولا نفع للخلق بالزكاة وغيرها. { {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هم كَافِرُونَ } } أى: لا يؤمنون بالبعث، ولا بالجنة والنار، فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم، أقدموا على ما أقدموا عليه، مما يضرهم في الآخرة.
ولما ذكر الكافرين، ذكر المؤمنين، ووصفهم وجزاءهم، فقال: { { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} } بهذا الكتاب، وما اشتمل عليه مما دعا إليه من الإيمان، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص، والمتابعة. { { لَهُمْ أَجْرٌ } } أي: عظيم { {غَيْرُ مَمْنُونٍ } } أي: غير مقطوع ولا نافد، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن