قل إئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين
أبو الهيثم محمد درويش
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت 9 – 12]
- التصنيفات: التفسير -
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} :
قبل أن تبتعد عن طريق الله تذكر نعمه و فعاله و قدره وقدرته, يخاطب تعالى كل كافر به و كل مبتعد عن سبيله بأسلوب عتاب و بيان عظيم , أتكفرون بي وقد خلقتكم و خلقت كل تلك العوالم الأرضية و السماوية بما ومن فيها, وقدرت فيها الأرزاق و الأقوات , خلقت الأرض في أربعة أيام و السماوات في يومين , فتلك ستة أيام.
ثم دعا الملك سبحانه تلك الأكوان و أمرها بالخضوع فخضعت صاغرة, فهل يعتبر كل من رفض الخضوع لجلاله , وهل يعود إلى رحاب الله و سبيله قبل أن يبدأ الحساب ؟؟؟
قال تعالى:
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت 9 – 12]
قال السعدي في تفسيره:
ينكر تعالى ويعجِّب، من كفر الكافرين به، الذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه، ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم، ويسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة، في يومين، ثم دحاها في يومين، بأن جعل فيها رواسي من فوقها، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار.
فكمل خلقها، ودحاها، وأخرج أقواتها، وتوابع ذلك { {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} } عن ذلك، فلا ينبئك مثل خبير، فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص.
{ {ثُمَّ} } بعد أن خلق الأرض { { اسْتَوَى} } أي: قصد { {إِلَى} } خلق { {السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } } قد ثار على وجه الماء، { {فَقَالَ لَهَا } } ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص، عطف عليه بقوله: { { وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} } أي: انقادا لأمري، طائعتين أو مكرهتين، فلا بد من نفوذه. { {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} } ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.
{ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } } فَتَمَّ خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، مع أن قدرة اللّه ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة، ولكن مع أنه قدير، فهو حكيم رفيق، فمن حكمته ورفقه، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة.
واعلم أن ظاهر هذه الآية، مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السماوات قال: { {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} } يظهر منهما التعارض، مع أن كتاب اللّه، لا تعارض فيه ولا اختلاف.
والجواب عن ذلك، ما قاله كثير من السلف، أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا، ودحي الأرض بأن { {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } } متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات، ولهذا قال فيها: { {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا} } إلى آخره ولم يقل: "والأرض بعد ذلك خلقها"
وقوله: { {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} } أي: الأمر والتدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين.
{ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } هي: النجوم، يستنار، بها، ويهتدى، وتكون زينة وجمالاً للسماء ظاهرًا، وجمالاً لها، باطنًا، بجعلها رجومًا للشياطين، لئلا يسترق السمع فيها. { {ذَلِكَ } } المذكور، من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها { {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ} } الذي عزته، قهر بها الأشياء ودبرها، وخلق بها المخلوقات. { {الْعَلِيمِ} } الذي أحاط علمه بالمخلوقات، الغائب والشاهد.
فَتَرْكُ المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره، من أعجب الأشياء، واتخاذهم له أندادًا يسوونهم به، وهم ناقصون في أوصافهم وأفعالهم، أعجب، وأعجب، ولا دواء لهؤلاء، إن استمر إعراضهم، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن