لم تتحدثا كثيرا..

منذ 2018-07-11

فلتقبل اليد المسنة بلهفة ولتتنقل إلى الجبهة تلثمها ثم إلى الرأس الذي ينسدل منها حجابها الطويل

لم تتحدثا كثيرا.. 
ولو تحدثتا لم أكن لأفهم حرفا من لسانهما الأعجمي ولغتهما الصعبة التي هي واحدة من لغات شتى يحويها هذا المكان الرحب
يحويها الحرم
في هذه البقعة المقدسة كان لقاءهما الذي يبدو أنه قد طال انتظاره

وإنَّ لغة أخرى كانت تكفي لشرح كل شيء.. 
لغة الدمع!

تلك القطرات الحارة قد حكت قصتهما كاملة

باختصار غير مخل؛ حكى الدمع عن جمع شتيتين بعد طول تفرقٍ

أخبر عن لوعة اشتياق لطالما اكتوى بها الفؤاد 
وبيَّن بهجة قلبين أنهكتهما سنوات أسى وحزن..

ثم كان اللقاء!

وبلغةٍ عالمية تحدث الدمع ليروي دون صوت تلك القصة

قصة حب..

لم تنبس إحداهما ببنت شفة
الدموع قالت كل شيء

عجيب هو دمع الفرح حين تبرق به عين تضحك و ينساب على وجه يتهلل متحديا تجاعيد الغربة ثم يجري متراقصا فوق ثغر يتبسم

وما الحاجة بعدئذ للحرف واللفظ ؟! 
إن الدمع يكفي

ثم يأتي دور العناق..

عناق يسهب في شرح القصة ويستطرد في سرد تفاصيل ما جنته سنوات الافتراق وما تركته من ندوب على الروح

إن إحداهما لتكاد أن تذوب في الأخرى! 
ويكأن سنين الغربة لم تُنس الابنة مكانها القديم الذي خرجت منه
كأنها قد عادت وليدة حديثة عهد بذلك الدفء الذي طالما غمرها بحنان تلك العجوز الطيبة
أو أنها تريد أن تعود 
لعل العناق يروي ظمأ الشوق لأمها

لكن يبدو أنه لم يفعل
فلتقبل اليد المسنة بلهفة
ولتتنقل إلى الجبهة تلثمها
ثم إلى الرأس الذي ينسدل منها حجابها الطويل

هل هي تعتذر؟ 
أم تراها تنهل من نهر طال حرمانها منه؟ 
تلك اللغة الصامتة لم تبين تلك التفاصيل 
لكنها بيَّنت شيئا آخر بجلاء لا تخطئه عين

بيَّنت أن ثمة مشاعر لا تجرؤ الكلمات مهما بلغت فصاحتها على ولوج بحرها متلاطم الأمواج.. 
وأن ثمة علاقات إنسانية تعجز الحروف مهما تزينت وحسن بيانها عن مجابهة وصفها..
أو حتى على مجرد الاقتراب منها..

  • 2
  • 1
  • 5,514

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً