المخلوق العظيم
أدرِك هذا الآن واعمل على هذا الأساس، قبل أن تدركه بعدما تمضي الفرصة، وتلاقي حِملا وتبعة دون أن تستفيد من الفرصة الكبرى .. فرصة الحياة.
إذا كان ثمة ملَك يكتب كل مرحلة لك في بطن أمك، يا رب نطفة، يارب علقة، يا رب مضغة.
ثم إذا كان هناك انشغال بمستقبلك فيُكتب لك كتاب رزقك وأجلك وعملك ومصيرك؛ وشقي أو سعيد..
ثم تأتي الى الدنيا فثمة حفَظة يتعاقبون فيما بينهم لحفظك من بين يديك ومن خلفك مما يريده بك ما لا تراه من المخلوقات..
وإذا كان ثمة ملائكة وكتبة لمتابعة كل قول لك، وكل عمل، وكل إرادة وتوجه في قلبك، وما يضمره قلبك من خير أو شر..
وإذا كان هناك تتبع لآثار ما قلت وما عملت ولآثار مواقفك وتأثيراتها في قلوب الخلق وأقوالهم وأعمالهم وتوجهاتهم، ثم ما ينتج عنها من آثار فتضاف إليك ـ "خيرا كان أو شرا".
وإذا كان عملك الصالح وقولك الطيب وتوجهك الخيّر يُسبّب نزول البركات من السماء والأرض.. وإذا كان عملك السيء وقولك الباطل وتوجهك الشرير ولعب جوارحك ولهو قلبك.. يتسبب في إزالة حضارات كاملة وتدمير قرون وأجيال {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّناهم في الأرض ما لم نمكّن لكم} .. {فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين}
وإذا كانت ملايين النجوم بل مليارات، ومسافات هائلة ومجرات شاسعة، مخلوقة ومسخرة لهذا المخلوق القابع على الأرض لرؤية عمله ﴿ {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} ﴾.. وهذا لتؤدي أنت وظيفتك، ووظيفتُك هي إفراد الله بالعبودية ﴿ {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ﴾ اي يوحدوني ويُفردوني بالعبادة..لرؤية خلوص التوجه لله ونفي مزاحمة توجه القلب الى الله بالحب والطاعة والتعظيم والخوف.
وإذا كان نظام الكون سينهار وتتشقق السماء وتُنسف الجبال وتُفجّر البحار وتنطفيء الشمس والقمر.. من أجل رؤية الأعمال والمجازاة على رحلة حياتك وما فعلت على هذه الأرض..
إذا كانت الجنة بروعتها قد خُلقت من أجلك ويُغرس فيها كل يوم وكل لحظة من أجلك، وبحسب عملك.
وإذا كانت النار خُلقت أيضا من أجل هذا المخلوق ويُعدّ فيها حرها وزمهريرها (شدة برودتها) من أجل المجازاة على العمل..
وإذا كان الملأ الأعلى من الملائكة يختصمون ويتناقشون في كتابة وتقدير الكفارات في وضوء عابر، وخطوات تمشيها للصلاة، ولحظات تنتظرها بعد النافلة تنتظر الفريضة أو بعد الفريضة تنتظر النافلة..
وإذا كان الملأ الأعلى يختصم ويتناقش في كتابة ما رُفعت من درجات من أجل كلمة طيبة أو ركعتين بالليل مهما كان طولهما، أو إطعام لفقير، أو سلام عابر تلقيه على مسلم..
إذا كان الله يتنزل الى سماء الدنيا ينادي عليك مذنبا لتستغفر وسائلا ليعطيك وداعيا ليجيبك..
إذا كان الكون يتكاتف ويتعاون ـ بأمر الله ـ ليصل لك طعامك ولقمتك، وإذا كان تسبيحك وتكبيرك وحمدك له دويّ حول العرش، وإذا كانت الملائكة تصعد بعملك ليلا قبل النهار ونهارا قبل الليل..
إذا كنت بهذا القدْر فأنت أهم بكثير جدا ممن يظهر في الإعلام! فثمة إعلام أضخم بكثير يتابعك ويرقبك.
وإذا كنت بهذا القدر فأنت مخلوق مهم جدا، ودورك محوري ومركزي..
فكيف تستهين بقول أو لفظ تنطقه؟ وكيف تستهين بعمل تعلمه، أو موقف تقوم به؟ وكيف تقتل وقتك وتهدر عمرك؟ كيف تمرر اللحظات وأنت بهذه الأهمية؟
إذا كان الأمر هكذا فاعلم أنك مخلوق محوري ومركزي، وذو قيمة كبرى في هذه الحياة وهذا الوجود وأنت محل تشريف عظيم.
أدرِك هذا الآن واعمل على هذا الأساس، قبل أن تدركه بعدما تمضي الفرصة، وتلاقي حِملا وتبعة دون أن تستفيد من الفرصة الكبرى .. فرصة الحياة.
- التصنيف: