استخدم حواسك لليقين
مدحت القصراوي
وكثيرا ما يلفت انتباهك أن الوصول لليقين قريب جدا، فإنما هو تفكر قليل، واستخدام لحواسّك التي تتعامل بها فتنكشف لك الحقائق
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
كثيرا ما يأمرك ربك تعالى أن تستعمل حواسك لتصل الى الحقائق الكبرى، وكثيرا ما يلفت انتباهك أن الوصول لليقين قريب جدا، فإنما هو تفكر قليل، واستخدام لحواسّك التي تتعامل بها فتنكشف لك الحقائق..
وانظر الى هذه الآية فقط على سبيل المثال:
﴿ {وكم أهلكنا قبلهم من قَرْنٍ؛ هل تُحسّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم رِكْزا} ﴾ "رِكزا: صوت خفي"
لقد أهلك الله القرون قبلنا وأهلك الأجيال القريبة منا.. ذلك الجيل السابق، والذي قبله.. ذهب القاتل والمقتول، وذهب الشهيد والطاغية، ذهب صاحب البصيرة وصاحب الغفلة، ذهب العابد والجاحد.، ذهب جامع المال ومنفقه، ذهب المتصدق والشحاذ، ذهب القائد والمقود، ذهب الماكر والممكور به، ذهب المدبِّر والمدبَر له.. ذهب كل هؤلاء.
قف فقط لتسأل نفسك هذا السؤال؛ هل تشعر بأحد منهم؟ قطعا لا.
هل تسمع لهم حراكا أو صوتا خفيا؟ قطعا لا.
فلماذا تخاف طغاة الجيل الحاضر..؟ أو تشك في دينك بسبب كثرة المتهالكين اليوم..؟ سيأتي بعد قليل نفس السؤال عنك وعنهم، فسيسأل الله تعالى ، الباقي الذي لا يموت، سيسأل الجيل المقبل ﴿ {وكم أهلكنا قبلهم من قرن؛ هل تُحسّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزا} ﴾.. لن يكون ثمة حراك ولا صوت للجيل الحاضر كما الأجيال السابقة.
أفجر الطغاة، وأعتى الملاحدة، وأفحش المتبرجات، وأسلط الألسنة، وأقذع المذيعين، وأقذر الناس، وأتفه العوام والطغام.. لن تُحس منهم من أحد، ولن تسمع لهم رِكزا..
سيكون لهم صوت في عالم آخر، أشبه بأصوات الحمير المنفّر القبيح ﴿ {لهم فيها زفير وشهيق} ﴾، سيكون هذا شهيقهم وزفيرهم، صوت أنفاسهم فقط.. ومِن وراء ذلك أمر مهول.
لو تفتّح قلبك لهذا الكتاب العظيم، ولو تفتحت فطرتك لحظة صادقة، لكانت التفاتة الى الوراء تُكسبك الكثير من اليقين وتجعل الحقائق حية أمامك، والتفاتة أخرى الى المستقبل سترى ما أنت مُقدم عليه..
وهذا معنى أن تنظر بين يديك ومِن خلفك.
اليقين قريب، ويمكن أن تمسكه بيديك ويَنعم به قلبك.
فقط افتح قلبك وفطرتك لهذا الكتاب، ولما بين يديك، ولما خلفك، وخذ العبرة، وتدبر لما أنت مقبل عليه حقا؛ قبٌر وبرزخ، قيامة ومشهد عظيم، دار للنعيم بلا شوب ألم، ودار خالصة للألم وألإهانة.. والله الهادي الى سواء السبيل.