التعبد بالأسماء والصفات

منذ 2011-05-29

الله - تعالى -لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون. فكان باب الأسماء والصفات هو الطريق الأمثل لمعرفة الله - تعالى -، فهو حادي القلوب إلى علام الغيوب، وشاحذ الهمم في دروب السالكين لمعرفة وعبادة رب العالمين..


أهمية الموضوع:

هذا الموضوع من أعظم المواضيع قـدراً وشـأنــاً.

وما يبرز أهميته ما يلي:

-أولاً: أنه من أشرف العلوم..

من القواعد المقررة عن أهل العلم: أن " شرف العلم بشرف المعلوم"

ولمَّا أن كان هذا العلم متعلّق بالله - سبحانه - كان أعظم العلوم وأجلّها.

ولذا جعله ابن القيّم من أشرف علوم الخلق.


-ثانياً: أنه طريق لمعرفة الله - تعالى -..

وذلك أن الله - تعالى -لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون. فكان باب الأسماء والصفات هو الطريق الأمثل لمعرفة الله - تعالى -، فهو حادي القلوب إلى علام الغيوب، وشاحذ الهمم في دروب السالكين لمعرفة وعبادة رب العالمين.


-ثالثاً: هو طريق السعادة..

العلم بالأسماء والصفات والتعبّد بها قُطب السعادة ورحى الفلاح والنجاح، فمن رام السعادة وابتغاها فليأخذ نفسه بأسماء الله وصفاته.

فيهما والله الأنس كله والأمن كله، ولذا أشار الحبيب - صلى الله عليه وسلم - لذلك وقال: «إنَّ لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة».

وأعلى منازل الإحصاء التعبّد.


- رابعـاً: العلم بها طريق محبة الله..

قال ابن تيمية: " وثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - بشَّرَ الذي يقرأها ويقول: «إني لأحبها لأنها صفة الرحمن » بأن الله يحبّه، فبيّن أن الله يحب من يحب ذكر صفاته وهو باب واسع ".

- ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته، ومعرفة الأسماء هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها " ومن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.

• ونستطيع أن نلخص أهميته بأن هذا العلم يحتاج إليه جميع الناس.

فالعالم يحتاجه لتهذيب نفسه ويزكو بروحه ويسترشد على الأحكام الشرعية والمقاصد الربانيّة.

وطالب العلم يحتاجه ليهذب أخلاقه، ويربّي نفسه على نهج العباد العارفين، والعامي يحتاجه ليوقن بخالقه ويعرف حكمته في الكون والشرع.


ولتحصيل هذا العلم طرق، ومنها:

التأمل في الأسماء والصفات، وفهم معانيها والتدبّر فيها.

وهذا ما أرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: « إنَّ لله تسعاً وتسعون اسماً... ».

والإحصاء يكون بإحصاء ألفاظها وعددها وتفهّم معانيها ومدلولاتها والدعاء بها بنوعيّ الدعاء: دعاء المسألة و دعاء التعبّد.

قال شيخ الإسلام: " وإذا كان كذلك فمن كان بماله من الأسماء والصفات أعلم وأعرف، كان بالله أعلم وأعرف " المجموع.

• وإنَّ لكل اسم أسرار عظيمة ومعانٍ بديعة، يُطْلِعُ الله ما شاء منها على من شاء من عباده، قال إسماعيل عبد الله الأنصاري: " في كل اسم من أسماء الله - تعالى -سرٌ خفيّ " طبقات الحنابلة.

•سنتطرّق لأحد هذه الأسماء الله - تعالى - ولعل الباقي يفهم على الطريقة..

• التأمل في اسم الله " السميع ":

إذا استشعر العبد بقلبه سمعه - سبحانه - لأصوات العباد على اختلافها، وجهرها وخفائها، وأنه سواء عنده من أسرّ القول ومن جهر به.

ولا يشغله من جهر عن سمعه لصوت من سرّ، ولا يشغله سمعٌ عن سمع، ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها، بل هي عنده كصوتٍ واحد، فعلِمَ أن الله يسمعه: فلا يقول إلا خيراً بل يستحي من الله أن يسمع من كلام يخزيه و يفضحه عنده، وإنما يَشْتَدّ في ألا يسمع منه إلا الحسن، بل ويُكْثِرَ منه حتى يحظى عنده - سبحانه -، وأن الله يسمع كلام أعداءه ولا يخفى عليه شيء: فيطمئن قلبه ويوقن بأن الله معه وأنه ناصره لا محالة.

يقول ابن القيم في النووية:


وهو السميع يرى ويسمع كل ما *** في الكون من سرٍ ومن إعـلان

ولكل صــوتٍ منه ســمعٌ حاضـر *** فالــسـرّ والإعــلان مستويان

والــسمع منه واسـع الأصـــوات لا *** يخـفــى عليــه بعيدها والدان


وإنَّ للتعبد بالأسماء والصفات آثار كثيرة على قلب العبد وعمله، قال العز بن عبد السلام: " اعلم أنّ معرفة الذات والصفات مثمرة لجميع الخيرات العاجلة والآجلة، ومعرفة كل صفةٍ من الصفات تثمر حالةً عليّة وأقوالاً سنيّة، وأفعالاً رضيّة، ومراتب دنيويّة، ودرجات أخرويّة.


ونُشيرُ هنا إشارةً موجزةً لبعض الآثار، إذ تقتضي تلك الآثار أمراً في غاية العسر:

أولاً: محبة الله.:

من تأمل أسماء الله وصفاته وتعلّق قلبه بها، طرحه ذلك على باب المحبة وفتح له من المعارف والعلوم أموراً لا يعبِّر عنها، وإنّ من عرف الله أورثه ذلك المحبة له - سبحانه وتعالى -.

وحب الله يحصل بها سرور القلب، فإذا شمّر العبد لتلك المنزلة ورام الوصول إليها، التفت إلى الله وترك كل من عداه ومن هو سواه!.

قال يحيى بن أبي كثير: " نظرنا فلم نجد شيئًا يتلذذ به المتلذذون أفضل من حب الله - تعالى -وطلب مرضاته ".

لسان حاله:


كل محبوب سوى الله سرف *** وهــــمــــوم وغــــموم وأسف

كـــــل مـــــحبوب فمنه خلف *** ما خلا الرحمن ما منه خلف
 


ثانياً: الخشية والهيبة.:

يقول ابن القيّم: " كلما زادت معرفة العبد بربّه ازدادت هيبته له وخشيته إياه ".

قال - تعالى -: {إنما يخشى الله من عباده العلماء }

وقال - صلى الله عليه وسلم -: « أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية» خ. م



ثالثاً: الرضا.:

الرضا من ثمرات المعرفة بالله، فمن عرف الله بعدله وحلمه وحكمته ولطفه، أثمر ذلك في قلبه الرضا بحكم الله وقدره في شرعه وكونه، فلا يعترض على أمره ونهيه ولا على قضائه وقدره.

سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء» النسائي، الألباني.



رابعاً: الدعاء.:

إنَّ من تأمل شيئاً من أسماء الله وصفاته فإنه بلا شك ستقوده إلى أن يتضرّع إلى الله بالدعاء ويبتهل إليه بالرجاء، فمن تأمل قرب الله منه، وأنه المجيب القريب فإنّه سيفتح له باب الرجاء وإحسان الظن، ويدفعه إلى الاجتهاد في الدعاء والتقرّب إلى الله به.

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا،، وفي الختام.. أشكر لأصحاب الموقع إتاحة الفرصة، واسأل الله العظيم أن لا يحرمني وإياكم الأجر. وأن يتقبّل منا دعائنا وصالح أعمالنا، هذا وان رأيت خيراً فخذ منه واستغفر لراقمه واسأل الله الفتّاح شيئاً من فتوحه، وان رأيت غير ذلك فعليك بالستر والنصيحة والتنبيه، فكلنا بشر قد نرد مورد الخطأ إلا الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.

والله - تعالى - أعلم وأحكم، وصلى الله على خير الورى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -..

 

المصدر: أنس بن عبد العزيز الحديثي - موقع المختار الإسلامي
  • 3
  • 4
  • 23,271

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً