هكذا كان العلماء
هذا هديهم وهذه طريقتهم وهذا مقامهم ...أعلى الناس ترفعاً عن الدنيا وأكثرهم طلباً لما عند الله و أحرصهم على النصح في الله وأبعدهم عن الخوف من غير الله
هكذا كان العلماء...هذا هديهم وهذه طريقتهم وهذا مقامهم ...أعلى الناس ترفعاً عن الدنيا وأكثرهم طلباً لما عند الله و أحرصهم على النصح في الله وأبعدهم عن الخوف من غير الله.
جاء في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:
دخل عطاء بن أبي رباح على هشام بن عبد الملك، فقال له هشام: مرحبًا مرحبًا هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسَّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدَّثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد، أصل العرب وقادة الإسلام تردُّ فيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن تُردَّ فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم قد أجريتم لهم أرزاقًا تدرُّها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم. قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون ما لا يطيقون، فإنَّ ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن لا يحمَّلوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتقِ الله في نفسك، فإنَّك وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد.
قال: وأكبَّ هشام، وقام عطاء. فلمَّا كنا عند الباب، إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه أدراهم أم دنانير! وقال: إنَّ أمير المؤمنين أمر لك بهذا. قال: لا أسألكم عليه أجرًا، إنَّ أجري إلا عند ربِّ العالمين. ثم خرج عطاء، ولا والله ما شرب عندهم حسوة من ماء فما فوقه.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: