كيف تجعل الناس يدعون لك؟
ملفات متنوعة
وانظر إلى الذي يؤذي الناس في طرقاتهم أو يغلقها عليهم، فقد يدعو بعض الناس عليه ولن يدعوا له بخير
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
د.محمد بن إبراهيم النعيم -رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: كيف تجعل الناس يدعون لك؟ ويستغفرون لك؟ فسأذكر خمسة أعمال إذا عملتها ستجعل الناس الذين تتعامل معهم يدعون لك بإذن الله تعالى.
العمل الأول: حسن الخلق
بأن تحسن أخلاقك مع الناس، وتحسن تعاملك معهم، وتفرج ُكرَبهم، وتساعدهم قدر المستطاع، ولا تحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وأن تستر عيوبهم ولا تفضحها بين الملأ، وإن لم تستطع ذلك فتكف شرك عنهم، وسترى من يدعو لك منهم بظهر الغيب. فعلى قدر ما يُمسك الإنسان نفسه، ويكظم غيظه، ويملك لسانه: تعظم منزلته عند الله عز وجل وعند الناس. وعلى قدر ما يتجاوز عن الهفوات، ويقيل من العثرات، تدوم مودته ويأنس به الناس، قال تعالى {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ، وقد جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وحُسْنُ الخُلُق» ) ([1]).
ومن صور التعامل الحسن الذي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن نكافئ من صنع إلينا معروفا، فإن لم نجد فلا نبخل عليه بالدعاء، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ، وَمَنْ اسْتَجَارَكُمْ فَأَجِيرُوهُ» ) ([2]).
وهكذا كان يعمل المهاجرون مع الأنصار رضوان الله عليهم أجمعين، فكانوا يدعون لهم ويثنون على صنيعهم حين آووهم وآثروهم على أنفسهم، حيث روى أنس بن مالك قال: «قال المهاجرون: يا رسولَ اللهِ ذهب الأنصارُ بالأجرِ كلِّه، ما رأينا قومًا أحسنَ بذلاً لكثيرٍ، ولا أحسنَ مواساةٍ في قليلٍ منهم، ولقد كفوْنا المؤنةَ، قال: (أليس تُثنون عليهم به وتدعون لهم)؟ قالوا: بلى، قال: (فذاك بذاك) » ([3]).
فكلما تذكرك الناس وتذكروا أخلاقك وسجاياك الحسنة وحسن تعاملك معهم، فإن كنت حيا قالوا: جزاه الله خيرا، فنعم الرجل هو، وإن كنت ميْتا قالوا: رحمة الله عليه.
انظر إلى صاحب الخلق الحسن إذا مات، كيف يحرص الناس على تشييع جنازته والدعاء له، وأما الرجل السوء وصاحب الخلق السيئ، فإذا مات فهو المستراح منه، ولن يحرص الناس في الغالب على تشييع جنازته أو الترحم عليه، وقد جاء عن أبي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: (الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ) ([4]).
وانظر إلى بعض الزوجات الأرامل ترى بعضهن لا يترحمن على أزواجهم، ولا يدعون لهم عند ذكرهم أو حتى عند ذكر مآثرهم؛ لأنهن يتذكرن سوء معاملتهم وسوء عشرتهم الزوجية.
وانظر إلى الذي يؤذي الناس في طرقاتهم أو يغلقها عليهم، فقد يدعو بعض الناس عليه ولن يدعوا له بخير، كحال بعض المتأخرين عن صلاة الجمعة في كثير من المساجد، تراهم يوقفون سياراتهم في وسط الطريق، فيعيقون حركة السير، وقد جاء عن حذيفة عن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم» ) ([5])، أي حقت عليه لعنتهم، أي إذا دعا الناسُ عليه حق عليه دعائهم واستجيب، مع العلم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعن أصلا، ولكن لو دعوا عليه استجيب دعاءهم عليه.
فلا تجعل الناس يدعون عليك، ودعهم يدعون لك كلما ذُكر اسمك عندهم، فبحسن خلقك مع الناس والإحسان إليهم تأسر قلوبهم، وتُعطف ألسنتهم ليثنوا عليك، بل ويدعون لك، ليس أمامك فحسب، وإنما بظهر الغيب، فلعل دعوة واحدة منهم تنفعك يوم القيامة.
العمل الثاني: طلب الدعاء من الغير بظهر الغيب
ولكي تجعل الناس يدعون لك، اطلب منهم ذلك، فعندما زار صفوان رحمه الله تعالى والد زوجته أبو الدرداء في الشام لم يجده ووجد أم الدرداء، فقالت له: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فقال: نَعَمْ، قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: ( «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» ) ([6]).
واحرص على طلب الدعاء من الصالحين عموما والبارين بوالديهم خصوصا؛ لأن دعائهم مستجاب بإذن الله تعالى، ولنا في قصة أويس القَرَني رحمه الله تعالى أسوة حسنة الذي كان بارا بوالدته، حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب t أن إذا لقي أويسا أن يطلب منه الدعاء لاستجابة دعائه، حيث روى عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» ) ([7]).
وقد فعل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ذلك، فقد كَانَ أثناء خلافته إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ، مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ)، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ([8]).
واحرص أيضا على طلب الدعاء من والديك، فقد صحت الأحاديث بأن دعاء الوالدين مستجاب، حيث روى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ، دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» ) ([9])، وفي رواية للترمذي (وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ).
وفي هذا تنبيه وتحذير للأبناء على أهمية إرضاء الوالد، وبره غاية البر، وعدم إغضابه البتة، خشية دعائه عليهم. فدعاء الوالد لولده مستجاب، ومن هذا الحديث قال المناوي رحمه الله تعالى: وأُخذ من هذا الخبر وما أشبهه: أن الأبَ أولى بالصلاة على جنازة ولده لأن دعاء الوالد لولده مستجاب ([10]).
وذكر العلماء رحمهم الله تعالى: في شرح قوله صلى الله عليه وسلم (وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر دعوة الوالد وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَالِدَةَ؛ لأَنَّ حَقَّهَا أَكْثَرُ، فَدُعَاؤُهَا أَوْلَى بِالإِجَابَةِ. فحري بكل أب أن يدعو لأولاده وبناته وأن يحذر الدعاء عليهم؛ لأن دعاءه مستجابٌ فيهم.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد قائلا: ( «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ» ) ([11]).
لذلك إذا أحببت يا عبد الله أن يُدعَ لك بظهر الغيب، فاطلب من والديك أن يفعلوا ذلك، فهم أقرب الناس إليك وأحنهم عليك، وقبل أن تطلب منهم ذلك، قَدِّم بِرَّكَ لهم، وكنْ في خدمتهم، وتذلل لهم، رجاء دعائهم لك ورضاهم عنك، وإن فعلت ذلك، نلت رضا الله تبارك وتعالى ثم رضاهم، وستراهم يبادرون بالدعاء لك قبل أن تطلب منهم ذلك.
العمل الثالث: تربية الأولاد على الصلاح
ولكي تجعل بعض الناس يستغفرون لك ويدعون لك، فقم بتربية أولادك على الصلاح والاستقامة، فالولد الصالح هو الذي سيدعو لك وسيستغفر لك بعد موتك، وهو الذي سيذكرك ويترحم عليك إذا وسدت في قبرك؛ لأنه يتقرب إلى الله تعالى بفعل ذلك، وأما الولد الطالح فلن يحرص في الغالب على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم : ( «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» ) ([12]).
والولد الصالح سيبر أبيه بعد وفاته بزيارة وصلة من كان يصلهم أبيه، فكلما رآه أصدقاء أبيه تذكروا والده ودعوا له بالرحمة، فتكونُ زيارته لهم سببا في استغفارهم لأبيه.
فهل تحرص على تربية أولادك على طاعة الله عز وجل كي يدعو لك؟ فالسعيد من كان يُدعَ له بظهر الغيب، والشقي من كان يُدعَ عليه والعياذ بالله، قال صلى الله عليه وسلم : ( «خَيْرُ مَا يُخَلِّفُ الرَّجُلُ مِنْ بَعْدِهِ ثَلاثٌ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا، وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ» ) ([13]).
وروى أنس بن مالك t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «سَبْعٌ يَجْرِي أَجْرُهَا لِلْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» ) ([14]).
العمل الرابع: حمد الله تعالى جهرا عند العطاس
وهناك عمل رابع يسير تجعل الناس يدعون لك إما بالرحمة أو بالهداية وصلاح الشأن، فهل تريد من الناس أن يفعلوا لك ذلك؟ إذن فاحمد الله تعالى جهرا إذا عطست، فإن فعلت ذلك يسن لمن سمعك، وبأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يدع لك بالرحمة، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ t أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ) ([15]).
أما من عطس ولم يحمد الله تعالى فلا تجامله وتشمته، أي لا تقل له: يرحمك الله، هكذا أدبنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: عَ «طَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: (هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ» ) ([16]).
وإذا كنت حريصا على أن يُدعى لك، فاحرص إذا سمعت من عطس ولم يحمد الله تعالى، أن تذكِّره بأن يحمد الله تعالى؛ فتدعو له بالرحمة؛ ليدعو لك بالهداية وصلاح البال، حيث قال صلى الله عليه وسلم ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» ) ([17])، ومعنى "يصلح بالكم" أي يصلح شأنكم.
قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: وَيُسْتَحَبّ لِمَنْ حَضَرَ مَنْ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَد، أَنْ يُذَكِّرَهُ بِالْحَمْدِ لِيَحْمَد فَيُشَمِّتهُ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ, وَهُوَ مِنْ بَاب النَّصِيحَة وَالأَمْر بِالْمَعْرُوفِ اهـ ([18]).
فمثل هذه الآداب الشرعية السهلة، تبث روح التعارف والمحبة بين الناس، وتزيد الألفة بينهم، فحري أن نعمل بها ولا نهملها، لا سيما أن فيها مصلحة لنا؛ لأنه سيدعى لنا بالرحمة أو بالهداية وصلاح البال، ومن منا لا يريد ذلك؟
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري: وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ أَبِي دَاوُدَ صَاحِب السُّنَن، أِنْ كَانَ فِي سَفِينَة، فَسَمِعَ عَاطِسًا عَلَى الشَّطِّ حَمِدَ، فَاكْتَرَى قَارِبًا بِدِرْهَمٍ، حَتَّى جَاءَ إِلَى الْعَاطِس فَشَمَّتَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ يَكُون مُجَاب الدَّعْوَة، فَلَمَّا رَقَدُوا سَمِعُوا قَائِلاً يَقُول: يَا أَهْل السَّفِينَة، إِنَّ أَبَا دَاوُدَ اِشْتَرَى الْجَنَّة مِنْ اللَّه بِدِرْهَمٍ اهـ([19]).
العمل الخامس: أن تُعلِّم غيرك ثواب الاستغفار للمؤمنين
لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يستغفروا لبعضهم البعض، وبيَّن أن من استغفر للمؤمنين كُتب له حسنات بعددهم، حيث روى عبادة بن الصامت t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة) ([20]).
فإذا حثثت الناس على الاستغفار للمسلمين، فأنت تدعوهم ليستغفروا لك لأنك من عامتهم.
ويمكنك أن تحث الناس على ذلك ببيان كثرة الحسنات التي سيحصلون عليها إذا استغفروا للمؤمنين، فلا تنظر إلى الحسنة الواحدة، وإنما انظر إلى عدد المؤمنين في الأرض الذي فاق المليار مسلم، فإذا استغفرت لهم فستحصل على أكثر من مليار حسنة في لحظات، فكيف إذا كررت ذلك في اليوم عدة مرات؟
أيها القارئ الكريم
تلك خمسة أعمال مختصرة إذا عملناها جعلنا الناس يدعون لنا بظهر الغيب: بتحسين أخلاقنا مع الناس، وطلب الدعاء من الصالحين وخصوصا من الوالدين مع برهم وخدمتهم، وبتربية أولادنا على طاعة الله تعالى، وبحمد الله تعالى جهرا عند العطاس، وبحث الناس على الاستغفار لعموم المؤمنين وبيان عظم فضل ذلك.
اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
----------------------------
(1) رواه البزار، وأبو يعلى، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2661).
(1) رواه الإمام أحمد واللفظ له-الفتح الرباني- (9/126)، وأبو داود (1672)، والنسائي (2567)، وابن حبان (3364)، والحاكم (1/412)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6021).
(1) رواه الإمام أحمد -الفتح الرباني- (21/10)، وأبو داود (4812)، والترمذي (2487)، والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له (10009)، والبخاري في الأدب المفرد (217)، والحاكم (2368)، والبيهقي في السنن الكبرى (11814)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (977).
(1) رواه الإمام مالك (571)، وأحمد -الفتح الرباني-(8/45)، والبخاري (6512)، ومسلم (950)، والنسائي (1930).
(1) رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (148).
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (14/274)، ومسلم (2733)، وأبو داود (1534)، وابن ماجه (2895)
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (22/444)، ومسلم واللفظ له (2542).
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (22/445)، ومسلم (2542).
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (19/285)، وابن ماجه واللفظ له (3862)، وأبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3033).
(1) فيض القدير للمناوي (3/301 ح 3454).
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (22/386)، ومسلم (3014)، وأبو داود (1532).
(1) رواه الإمام أحمد واللفظ له –الفتح الرباني- (9/205)، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1617).
(1) رواه ابن ماجه واللفظ له (241)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (79).
(2) رواه البزار (7289)، أبو نعيم في الحلية (2/343)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (959).
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (17/325)، والبخاري واللفظ له (6223)، والترمذي (2747)، وأبو داود (5028).
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (17/329)، والبخاري واللفظ له (6221)، ومسلم (2991) والترمذي (2742)، وأبو داود (5039)، وابن ماجه (3713).
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (17/328)، والبخاري واللفظ له (6224)، وأبو داود (5033).
(1) شرح صحيح مسلم للنووي (حديث رقم 2991).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (10/626 ح6225).
(1) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6026).