عاشوراء وعدالة السماء
في اليوم العاشر من شهر المحرم، وهو يوم عاشوراء، كتب الله النجاة لموسى عليه السلام ومن معه من أتباعه المؤمنين المستضعفين من بني إسرائيل
العدالة المطلقة في السماء ، فالله تعالي من أسمائه العدل ، والعدل نقيض الظلم ، والله لايظلم أبداً " { ولا يظلم ربك أحداً} " [الكهف] " {وما ربك بظلام للعبيد} " [فصلت]
ففي الحديث القدسي " «يا عبادي : اني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا » " [ رواه الترمذي]
أما العدل في الارض فهو مجروح ، مهضوم ، منقوص ، لحق به عوار كثير بسبب ما اتخذه البشر من حب الدنيا وكراهية الموت واتباع الشهوات .
ساد الظلم في المجتمعات وتلاشي العدل وأصبح البشر في غابة يقتل القوي فيهم الضعيف ، ويأكل الغني فيهم الفقير ، ويشوه الدعي فيهم الشريف ، الا من رحم ربي .
عندما يذهب الحق فى حضور الباطل، تنزوي المروءة فى جلباب الدنية، ويتبع الهوى فتغيب المبادئ، وتتسلط المصلحة الدنيوي ، وتتسيد الضلالة القمعية وهذا ما كان يخشاه الإسلام أن يسرى فى أتباعه فكان لا ينفك عن نصيحتهم! كيف ؟!
" {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} " [ص]
هذه وصية من اللّه عزَّ وجلَّ لولاة الأمور، أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يحيدوا عنه فيضلوا عن سبيل اللّه، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد، روى ابن أبى حاتم بسنده عن أبى زرعة -وكان قد قرأ الكتاب- أن الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسب الخليفة فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أقول؟ قال: قل فى أمان اللّه، قلت: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على اللّه أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن اللّه تعالى جمع له النبوة والخلافة ثم توعده فى كتابه فقال تعالى: " {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ..} " الآية.
و عدالة السماء حتما تتدخل في الوقت المناسب تتنقذ عدالة الارض ، وتنتصر للمستضعفين ، وتنتقم من الظالمين كيف ؟!
في اليوم العاشر من شهر المحرم، وهو يوم عاشوراء، كتب الله النجاة لموسى عليه السلام ومن معه من أتباعه المؤمنين المستضعفين من بني إسرائيل " {ونريد أن زمن علي الذين استضعفوا في الأرض وتجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون} " [القصص] وأهلك فرعون ومن معه من الظالمين المفسدين.
يوم عاشوراء يذكرنا أن العاقبة للمتقين، وأن نصر الله تعالى لأوليائه قريب، وأن أي ظالم متجبر وإن غرته مهلة الزمان، وركن إلى قوة رأى بها أنه الأغلب والأظهر، فإن أمره إلى دمار وخراب، وقوتَه إلى ذُل وهوان. روى البخاري في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود}
ففرعون رأى في قوته وملكه ما دعاه أن ينادي ويقول: " {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} " النازعات، فكان عدل السماء ، وكانت عاقبته، أن أغرقه الله فجعله عبرة لمن يخشى
ويا لها من عبرةٍ لكلِّ عدوٍّ لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون، أنَّ الله منتقمٌ من الطُّغاة الظَّالمين في كلِّ زمانٍ ومكان، وأن نصر الله قريبٌ طال الزمن أو قَصُرَ.
اتخذ اليهودُ هذا اليوم، يومَ فرح لتحقق العدل والتخلص من الظلم والظالمين ، فصاموه تعبيرا عن خلاصهم من فرعون وبطشه، ونجاتهم من ظلمه وفساده.
هذا الحدث - عاشوراء - يعتبر مثالا حيا لانتصار الحق على الباطل، وانتصار الخير على الشر، وهو حدث يتجدد على المؤمنين عبر الزمان وفي كل مكان.
حدث يتقوى بذكراه الإيمان، ويترسخ بتذكره اليقين في القلوب بأن الله مُحقق وعدَه الذي وعد به " {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } " [غافر]
ونجاة المؤمنين
" {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} " [ يونس]
وتحقيق العدالة نعمة تستحق الشكر ، والشكر هنا عمل ، والعمل هنا طاعة ، والطاعة هنا صوم وتقرب الي الله . كيف ؟!
في [صحيح مسلم] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَ «دِمَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فرأَى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراءَ، فقال: ما هذا اليومُ الَّذي تصومونَهُ ؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ نجَى اللهُ فيه موسَى وقومَهُ وغرَّقَ فرعونَ وقومَهُ، فصامَهُ موسَى شكرًا فنحنُ نصومُهُ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فنحنُ أحقُّ وأوْلَى بموسَى منكمْ . فصامَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمرَ بصيامِهِ» .
فعاشوراء، هو يوم عزة وتمكين، ويوم مغفرة وأجر عظيم، وهو يوم شكرٍ لله رب العالمين.
فلما كانت النجاة لموسى ومن معه من فرعون وملأه منَّةٌ كبرى في ذلك اليوم العظيم، سارع بصيام ذلك اليوم، فكان بذلك شاكرًا لله تعالى علي انعمه ، إذ العمل الصالح شكر لله كبير " {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} " [سبأ]
هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن صام ذلك اليوم، وهذا ما يفعله المؤمنون في كل زمان ومكان اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم وطلبا للأجر من الرب الكريم.
خميس النقيب
- التصنيف: