مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - وترى كل أمة جاثية
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} :
يوم القيامة هو يوم الفصل بين الجميع , يوم ظهور كل الحقائق وكشف النقاب عن الضمائر ومعاينة كل الأعمال , والملك لله وحده هو المتصرف و المتحكم في الجميع , ليجازي أهل الإحسان بإحسانهم وأهل الإساءة بإساءتهم.
كل الأمم تجثوا على ركبها خوفاً وهلعاً من عذاب الله وعقابه , وكل أمة تدعى إلى كتابها الذي أنزله الله إليها , فمن كان من أهل الكتاب العاملين به نجا ومن عاند واستكبر وأعرض في الدنيا هلك.
ويظلل هذا المشهد الصعب عدل الله وكتابته لكل كبير وصغير ونسخه لكل أعمال الخلق , ليحكم بينهم بالحق.
قال تعالى :
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية 27-29]
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى عن سعة ملكه وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الأوقات وأنه { يوم تَقُومُ السَّاعَةُ } ويجمع الخلائق لموقف القيامة يحصل الخسار على المبطلين الذين أتوا بالباطل ليدحضوا به الحق، وكانت أعمالهم باطلة لأنها متعلقه بالباطل فبطلت في يوم القيامة، اليوم الذي تستبين به الحقائق، واضمحلت عنهم وفاتهم الثواب وحصلوا على أليم العقاب.
ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله ليحذره العباد ويستعد له العباد
فقال: { {وَتَرَى} } أيها الرائي لذلك اليوم { {كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } } على ركبها خوفا وذعرا وانتظارا لحكم الملك الرحمن.
{ {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} } أي: إلى شريعة نبيهم الذي جاءهم من عند الله، وهل قاموا بها فيحصل لهم الثواب والنجاة؟ أم ضيعوها فيحصل لهم الخسران؟ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى وأمة عيسى كذلك وأمة محمد كذلك، وهكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به، هذا أحد الاحتمالات في الآية وهو معنى صحيح في نفسه غير مشكوك فيه، ويحتمل أن المراد بقوله: { {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } } أي: إلى كتاب أعمالها وما سطر عليها من خير وشر وأن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه كقوله تعالى: { { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } }
ويحتمل أن المعنيين كليهما مراد من الآية ويدل على هذا قوله: { {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} } أي: هذا كتابنا الذي أنزلنا عليكم، يفصل بينكم بالحق الذي هو العدل، { {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} } فهذا كتاب الأعمال.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: