رسائل في الوعي!
وليس لديّ شك في أنّ من أولى ما نتعلمه التّفكير المبني على مدخلات صحيحة، أو محتملة، أو معقولة، أو متوقعة
الوعي صخرة تتحطّم عليها الأكاذيب، ويكاد أن يشترك الأساتذة الكبار، والآباء المؤسسون، وصنّاع الأحداث المفصليّة، في خصيصة واحدة؛ هي إيقاظ الوعي! وإنّ حماية الذّاكرة التّاريخية، تجعل الوعي شاهدًا، وتنشّط الإرادة؛ ولذا يُعتنى بعلم التّاريخ رواية، ودراية؛ فإهماله من أبشع صور انتحار معاني الحياة، وسبب لتكرار أحداث قد تكون مؤلمة، وإنّ أيّ عمل تؤديه، وتكون نتيجته -بمعناها الواسع- أن يذهب النّاس للطّبيب، ويهجروا المشعوذ، فهو عمل عظيم خالد.
ومن عظيم مكر الله وكيده بالمرجفين والمفسدين، أنّهم حاولوا تبديل الدّين من خلال نصوصه ومقاصده، وتخريب الّلغة باستخدام أسلوبها وكلامها، وتحريف التّاريخ من خلال أحداثه وأخباره، وفي استدلالهم بالدّين، واستخدامهم الّلغة، واستنادهم إلى التّاريخ، دعوة الجمهور المخاطب بطريقة غير مباشرة للعودة إليها، والاستمساك بها، وزيادة ارتباط النّاس بثقافتهم، وديارهم، وأهليهم، وهذا أدعى لهتك الباطل، وفضح الإرجاف.
وليس لديّ شك في أنّ من أولى ما نتعلمه التّفكير المبني على مدخلات صحيحة، أو محتملة، أو معقولة، أو متوقعة؛ كي يرتفع مستوى الإدراك، والفهم، والتّفاعل الإيجابي، وبغير هذا فما أهون الرّيش في مهبّ الرّيح، وما أضيع الهباء المنثور! ومن أتقن القراءة امتلك مصباحًا، والتّفكير القويم أداة هدم الزّيف، وبناء الأمل، وللكتابة جناحان يحلّقان للحرية واستشراف المستقبل، وتعبّد مهارات الاتّصال الطّريق للنّجاح والتّأثير، وهذه الأربعة أركان في تحصيل الوعي، وبثّه.
وأنت مأجور حين تمنح المعرفة، وتنشر المهارة، بيد أنّ أجرك أعظم، وأثرك أكبر، وعملك أدوم، حين تحيي الوعي، وتعزّزه، وتزيده؛ فحينها تتألّق المعارف، وتثمر المهارات، وتشرق الأرض بنور ربّها. وكم هو مبارك ذلكم المتخصّص الذي يقرّب للعامّة علمه وفهمه، فيرفع الوعي، ويزيد المعرفة، ويغلق فجوات ينفذ منها الدّجالون، ويصبح فوق ذلك قدوة، وينال أجرًا، ويفوز بلسان صدق في الآخرين.
وإذا استدرجك الخصم إلى حلبته التي يحسن فيها الكرّ والفرّ، أو التي يملك القرار فيها، فليس من الحكمة ذهابك إليها، والاحتراس أسلم. وإذا أردت فهم حدث، أو قرار، أو إجراء، أو تصريح، فلا مناص لك من فحص سياقه زمانًا، ومكانًا، وحالًا، مع الإحاطة بتاريخه، وتاريخ أطرافه إذا أمكنك ذلك، كي لا تكون كمن يسير في ظلمة حالكة، على أرض كثيرة الحفر، وحتى لا تختلط عليك المواقف المبدئيّة من الوقتيّة.
والفرق كبير بين الحقّ، وبين استخدام هذا الحقّ بطريقة سيئة، أو انتقائيّة، أو ضارّة بالآخرين دونما مصلحة أعظم، وحتى نتأكد من مصداقيّة وعدالة أيّ إجراء أو حوار، علينا فحص أمرين:
1-ضبط تعريف الموضوع محل النّقاش أو الفعل وحدوده منعًا لأيّ لبس أو غبش.
2- التّأكد من اطّراد القاعدة قطعًا للاستثناء والتّلاعب والتّحيز.
ومع أنّ التّشويش على أيّ شيء عمليّة مقدور عليها بالإرجاف، والتّهويل، والاحتمال، والكذب، وغيرها من أدوات، فإنّ نيل أعلى مستوى من الحصانة الواقية، أو العلاج الشّافي، يتأتّى بالوعي، والتّأني، والمراجعة، وطول النّفس، ومعاودة نشر المعاني والمفاهيم بغير ما طريقة، والقاعدة الذّهبيّة ألّا نعامل الأقوال، والمعلومات، وما يروّج، وكأنّها رواية مالك عن نافع عن ابن عمر!
كانت هذه الرّسائل مجموعة من التّدوينات المختصرة على تويتر، وجمعها في موضع واحد أدعى للفائدة والبقاء، فبالوعي العميق نحفظ الدّين، ونحمي الدّيار، ونحوز المكارم والفضائل لجميع شؤوننا العاجلة والآجلة، وإنّه لمجتمع سعيد لا يُخترق، وبناء متين لا ينهدم، ذلكم المجتمع المكوّن من أفراد وكتل واعية، متآلفة، متآزرة؛ لتحقيق الصّالح العام، ومتسامحة متغاضية حين الاختلاف والاحتكاك.
- التصنيف:
- المصدر: