اليقين وفاعلية التصدي...!
ملفات متنوعة
من أصح وأروع الأدعية الماحية للحزن، والمورثة للأمل والتفاؤل: (ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصايب الدنيا)؛ أي اقسم وَهَبْ لنا
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
• حينما تشتد بِنَا المصائب، وتداهمنا الأحداث، لا يمكن أن نتصدى لها، أو نتفاعل معها، إلا من خلال ( عبودية اليقين)، واعتقاد أنها عارضة، وسحابة صيف عن قريب تقشع....!
- فلا مكان للشكوك ، أو حضور الخوف والحزن، والوساوس، فالدين منتصر، والإسلام غالب ( {ولينصرن الله من ينصره } ) ( سورة الحج: ٤٠)
- من أصح وأروع الأدعية الماحية للحزن، والمورثة للأمل والتفاؤل: (ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصايب الدنيا)؛ أي اقسم وَهَبْ لنا.
- واليقين يطلق ويُراد به -كما قال الجنيد رحمه الله- : (استقرارُ العِلْم الذي لا ينقلِب ولا يُحوَّل ولا يتغيَّر في القلْب).
- والمسلمون في هذه الظروف العصيبة، وحالات الهوان والتسلط والتشرذم هم أحوج ما يكونون إلى (شعبة اليقين)، واستقرار القلب بالشرائع وحسن العمل، وأن العاقبة للمتقين.
- والسبب لأن تراكم المصايب والأحزان يحمل العبد على التسخُّط واليأس وكراهية الاستقامة والتململ من العمل، وليس هذا بخلق أهل الإيمان ( {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ) [سورة الرعد: ٢٨].
- وامتلاك اليقين من أسباب الثبات، وتتحطم عليه كل مقامع البلاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأﻫﻞ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﺇﺫا اﺑﺘﻠﻮا ﺛﺒﺘﻮا؛ ﺑﺨﻼﻑ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻓﺈﻥ اﻻﺑﺘﻼء ﻗﺪ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺃﻭ ﻳﻨﻘﺼﻪ..).
- أعظم وسيلة في توليد اليقين وتثبيته في القلب قراءة القرآن وتدبره والتخلُّق بمواعظه.
- وذكر شيخ الإسلام أن اليقين يتحصل من تدبر القرآن، الذي هو مقصود التلاوة والتنزل، وبه الانشراح، وفقه الكتَاب ورسوخ المواعظ والبينات: ( {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} ) [سورة محمد: ٢٤].
- ويحصل أيضا من تدبر الآيات التي يضعها الله في الكون والآفاق والأنفس، وتثبت أن دينه حق، وأن شرعه صدق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من نحو : انتصار أهل الإيمان، وهزيمة مكذبي الإسلام وأعداء الرسل، واتساع بقاع الإسلام، وصدق نصوص الوحيين، وإقامة الحجة على أهل الإلحاد والزندقة.
- وذكر ثالثًا: أنه يتوالد من العمل بموجب العلم، فقد قال تعالى ( {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون بِه لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا} ...) [سورة النساء: ٦٦]. وفي العمل ترسيخ ويقين للأحكام الشرعية، وتقوية للإيمان، وتأسيس للصبر، وحماية للعقيدة، وتحدٍّ للباطل، وترقب للنصر، وحافز للعمل، وإغاظة للعدو، وتشجيع للكسالى.
- وباليقين تهون مصايب الدنيا، وتصغر حوادثها، ويعظم التوحيد وتصلب قناته.
- ويتوالد اليقين أيضا من مطالعة السيرة النبوية، والتفقه في دروسها، وتحفظ أحداثها التي تعلي من شأن الإيمان وتصبر وتقوي، وتشحذ وتحفز .
- نحو صبره ورضاه عما حصل في مكة والطائف في القصة المشهورة، وانتظاره فرج الله ونصره (بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
- وبمدارسة سير الأنبياء والمرسلين في نواحي القرآن، وما فيها من يقين فذ، وصبر شديد، ودعوة مستديمة ( {ولنصبرن على ما آذيتمونا} ) [سورة إبراهيم: ١٢]. ولولا ما قبلها من اليقين والاستعداد للصمود والتحدي ما حصل ذلك الصبر والتحمل.
- ويتولد اليقين أيضا بمعاينة آيات الله في الكون، وبدائع صنعه؛ كما قال تعالى( {وفِي الأرض آيات للموقنين} ) [سورة الذاريات: ٢٠].
- ومنها: تعلم محاسن الإسلام، وما وضعه الله من شرائع رائعة، وأحكام باهرة، وسنن فاضلة في هذا الدين المجيد.
- وكذاك الدعاء والإخبات العبادي لله؛ فقد صحَّ دعاء ( «سلوا الله اليقين والمعافاة» ). أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، رحم الله الجميع.
- ومن نماذج اليقين الباهرة صبر الصحابة المبتلَين في مكة، وأتباعهم من الأعلام الأفذاذ أيام المحن والشدائد.
- بلال صورة رائعة هو وصبره، واحتماله الشديد للظى المشركين واضطهادهم، وكان يردد: (أحد أحد).
- وآل ياسر صبروا صبرًا متينًا، وماتت سمية أم عمار في أتون المحنة، ورفضت أن تلطخ فمها بنقد الدعوة حتى ماتت شهيدة رضي الله عنها.
- ويقين المؤمنين في الأحزاب ( {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} ...) [سورة الأحزاب: ٢٢].
- ومن يقين بعض العباد الحكماء وهو علي -رضي الله عنه- أنه قال: (لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقينًا؛ لأني رأيتهما بعيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..).
- ويروى عن عامر بن عبد قيس -رحمه الله-: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا).
- وعن شقيق بن إبراهيم -رحمه الله- قال: (من أراد أن يعرف معرفته بالله، فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس، بأيهما قلبه أوثق).
- والأخبار في ذلك مستفيضة ولكنها تحتاج لجهد متين، وعبادة صادقة، وعلم نوراني يشعشع في القلب والجوارح ( {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} ) [سورة الشورى]. وتلكم الأجساد لا يحييها إلا نور ربها، ووحي خالقها، فهو لها كالماء للسمك، وكالهواء للكائنات، فهل لها من عوض، أو تجد لها من بدل..؟!
- اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا، واجعلنا من عبادك الصادقين... والسلام...!
د/ حمزة بن فايع الفتحي .