فرص علمية للشباب!!
وليس معنى الذاكرة الحافظة، أنها لا تجهد ولا تتعب، كما قد يتوهمه بعضهم!. بل تتعب وتكرر وتقيد، وقد صح حديث ( «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم» ).
أغلا من الذهب ثمنا، وأجملها تلألؤا، وأنفسها عاقبة، وأيسرها تناولا!! ولكن ربما تناسوا او تقاعسوا.
ومن تلكم الفرص للجيل الشبابي، وجمهور الفتيان، والتي قد تفوت بالإهمال أو النسيان، أو الانشغال، ما يلي:
١/ حافظة قوية : تلتهم كل ما تسمعه، فتضبط التواريخ والأخبار والأشعار واللغات! فهلا ضبطتِ القرآن، وأحصت السنن، وباتت من الشريعة كالمستودع الممكين، والحصن الحصين، لا سيما صغار الأحاديث، وقصار جوامع الكلم . قال تعالى (وتعيها أذن واعية) سورة الحاقة .
وليس معنى الذاكرة الحافظة، أنها لا تجهد ولا تتعب، كما قد يتوهمه بعضهم!. بل تتعب وتكرر وتقيد، وقد صح حديث ( «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم» ).
ولما سئل الإمام البخاري رحمه الله عن علاج النسيان؟ قال : إدامة النظر .
٢/ كتب موروثة : يتركها الوالد أو تُهدى، ويكنّها المسجد، فيعلوها الغبار، ولا تجد من يمسحها، أو يداوي دمعها بالقراءة والاطلاع الجاد، وانتثال فوائدها وفرائدها.
٣/ شيخ قريب : في بلده العالم الفذ، ويشمئز قائلا: ليس ثمة دروس، وَيَا ليت كنت في بلاد العلماء! ويسميها! وعنده علَم فذ باذل حريص، ولكنه ما سأل عنه ، ولا بالى به! لماذا،؟.
لكسل فيه! او نوم متواصل!.
او على مبدأ زامر الحي لا يطرب!
فيشتاق للبعداء، ولا يفعل!
فلا القريب اغتنمه، ولا البعيد ارتحل إليه!
ويروى عن البحر ابن عباس رضي الله عنه، وقد سأله إنسان (يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء )؟. كناية إلى سعة علمه وبلوغه المراتب العليا فيه.
٤/ همة اشتعلت: كالنور المقذوف من الواحد الأحد سبحانه ، فإذا ما هب لا تطفئه بظلمات الغفلة والتكاسل، فيخبو ولا يعود، ويضعف ولا ينتشر، ويسكن ولا يشع!!
وكما قيل:
إذا هبت رياحُك فاغتنمها
فإن لكل خافقةٍ سكونا
ومن حلاوة الهمة النشاط في العلم، وطول العبادة وحسنها، وإلا فثمة عُبَّاد كشفهم جهلهم،. قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( كل ما كان في القرآن من مدح للعبد فهو من ثمرة العلم ، وكل ما كان فيه من ذم فهو من ثمرة الجهل )
وصح قوله صلى الله عليه وسلم: ( «فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم» ) .
٥/ مال ميسور: ورث خيرا من أبيه، أو عاصره وهو ملئ، فكان همّه قميصا جميلا، أو ساعة غالية، وحذاء فخما، وتناسى، أن يؤسس مكتبة له ولأهل بيته، فيقرأ ويجد، أو يرحل لدورات علمية، فيرشف من معينها، ويجني من غنائمها . ويحكى عن المحدث يحي بن معين رحمه الله ( خلّف له أبوه ألف ألف وخمسين ألف درهم، فأنفقها كلها في العلم، حتى لم يبقَ له نعل يلبسه ).
٦/ دورة حالّة : كالدورات المنشورة هذه الأيام، ويدرًس فيها أفاضل العلماء، فحري بالشاب اليافع أن لا يضيعها، ويشتغل بدنياه.
فإن كانت قريبة فلا عذر لنا في التخلف، وإن كانت بعيده، فالمواصلات يسرت العسير، وقرّبت البعيد، واستذكر ما صنعه السلف!. من سفر بلا دواب، ورحلات بلا زاد، وتنقلات مع الأخطار.
قال سعيد بن المسيب رحمه الله ( كنّا نسير الأيام والليالي لأجل الحديث الواحد) وبرغم شيبتهم وكبر أسنانهم، لم تشب هممهم، كما قال بعضهم:
وإنما اعتاضَ رأسي غيرُ صبغتهِ
والشيب في الرأس غيرُ الشيب في الهممِ
ورحل موسى عليه السلام إلى الخضر عليه السلام تحصيلا للعلم (قال هل أتبعك على أن تعلمنِ مما عُلمت رشدا) سورة الكهف .
٧/ ضغطة زر: عبر الكمبيوتر، أو الهاتف الذكي بكل تطوراته، فتبزغ لك آلاف الكتب والمراجع والموسوعات! فأي خير يشبه هذا! ومع ذلك فينا المقصر والمتراخي، والمستعمل لها فيما يشين ويبيد ! ( {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} ) [سورة إبراهيم] .
٨/ فهم سريع : كشكل من الذكاء والألمعية، ووعي المسائل ، فلم لا توظف للفقه والشريعة، وسلوك الطرق المنيعة علما وبحثا وإقناعا، (ففهمناها سليمان) سورة الأنبياء.
٩/ بيت ثقيف : أي حاذق، ويكون في البيت أحيانا نزعة تفوق، أو حب للاطلاع، او الأب داعية، او الأم مصلحة واعية، فكل ذلك جدير بالاهتبال والاستثمار، وإلا راحت الفرصة، وتبدد الزمان، ووقع التندم،. لأنها قد لا تعود، وليس من ديدن العقلاء التسويف وتأجيل الفرص الذهبية، وَكما قيل:
إلى كمْ ذا التخلّفُ والتّواني! وكمْ هذا التّمادي في التّمادي.
١٠/ المسجد النشِط : بوابة لا تعوض، ومنارة وارفة، وإشعاع ساطع، قد غص بالعلم والدروس ، فلِم التباعد والهجران، وقد حوى ما احتوى ؟. وقد صح في الحديث ( «من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه، إلا كان له أجر حاج تاماً حجته» ) [ أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني] . ووعي مثل تلك الفرص واستثمارها، ثبات على الطريق، وأمان من الفتن، وسعادة ودعوة، وخير ومكانة، وعقل وحكمة، والله الموفق.
د. حمزه بن فايع الفتحي
- التصنيف: