ما كل ما يتمنى المرء يدركه!!
والأماني المعتدلة خطوة للانطلاق، وباعثة للفعل والاختيار، وإن طالت بلا تفعيل فهي لغو من القول لا حقيقة له في الميدان الواقعي.
الأماني مشاعر نفسية داخلية تحرك الفرح، وتوقظ البسَمات ، ولكن لا قيمة لها بلا تحرك وعمل وترجٍ يأخذ بها لحدائق الإنتاج.
وهذا بيت سيّار وضعه بعض الناس في غير سياقه حتى بات علامة على التثبيط ونشر ثقافة الركود والرقود! وصاحبه قصد تمني الموت له من قبل أعدائه. والأمنية المتجاوزة للقدرات ضرب من الخيال والحلم الضائع، والسراب البائس.
وهي بلا مقدمات فاعلة، وبُنى توقدية، مضيعة للوقت والفكر، وتشابه إلى حد كبير أحلام اليقظة.
وحلمتُ بالمجد الكبير وهمتي
في راحة ومغانمي في مأكلِ
والأماني المعتدلة خطوة للانطلاق، وباعثة للفعل والاختيار، وإن طالت بلا تفعيل فهي لغو من القول لا حقيقة له في الميدان الواقعي.
تتمنى النجاح ولم تقدم شروطه أو تركب ركائبه، وتدعي الانتصار ولا زلت في أول الطريق. الإنجاز والتفوق والغنى والظفر بالمطلوب، مقاصد محمودة لا تتحصل بلا انتهاج مقدماتها.
كل مراد له سلم إيرادي يصنعه صاحبه ليصعده في كل مكان، وفِي أي ظرف! والحكمة تتنزل على الأماني الصِعاب، والمقاصد الجسام، ولم يقصد صاحبها حرمة التمني مطلقا، لكنه قصد: إن كلمة يا ليت لا تعمر بيت، لا سيما، ليت الخلوية من دعَمات الأسباب، أو ذوات الاستحالة، كتمني هلاكه فقد قال قبلها:
يا من نُعيت على بُعدٍ بمجلسه
كلٌ بما زعم الناعون مرتهنُ
ووضعُ البيت لنشر ثقافة الكسل والاستسلام، وتعميق التراخي الاجتماعي، مقصد مذموم له تبِعاته القاسية! والمتنبي شعره مستفيض بعلو الهمة، وبما يناقض هذا البيت وقد عُرف بالتطلع وحب الإباء.
فمثلا دعوى الإيمان بلا أعمال مضحكة وغير مجدية، ودعوى الغنى بلا أرباح موضع سخرية المجتمع ، ودعوى العلم والوعي بلا مؤهلات سماجة وتهريج فاضح!
يتمنى بعضهم العلم والانطلاق العلمي، ولم يقم للكتب وزنا أو القراءة هما، وما أحسن ما قاله بعضهم:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها! بيناتٍ أصحابها أدعياءُ! والأحلام العريضة في أول الطريق بلا استعداد، مما يوهن النفس، ويصنع التخبطات!
ومن الأماني أمانٍ شيطانية كصنائع الأعادي والمنافقين، وفعائل الحساد والمُكار، والتي ترفضها الشريعة أو تنازع القدر، كحرب الإسلام وتمني زواله! {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم} [سورة الصف]
وللكون قوانين ونواميس يجري من خلالها، وإهمالها مما يسوء ويضيق الفهم ويعرقل الطريق! (قد خلت من قبلكم سنن) سورة آل عمران. وتتمة البيت الشعري: تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ!
لتكن الأماني مأمونة مقدورة، وليست ممنوعة متعذرة.
تبتدئ الهمم بأمانٍ عاليات متوافقة مع نبضات الهمم، وخَرزات العزائم!
فاذا انسجما أفلحت النفس وأثمرت بل ربما فاقت النفس الجسد، وطارت الهمم الى العنان وهو دونها، وكما قيل:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسامُ
وهو لصاحبنا المتنبي!
تنشا الأماني مع الطفولة وتتعاظم مع الشباب وتتراجع مع الشيخوخة، فعش حلاوة الأمنيات فترة الغِلمة والشباب، ولتكن مراعيا لما تقول، متزنا في المشاعر والتحركات.
الأماني المنتكسة والمنابذة للسنن لا مقام لها في الواقع التاريخي ، ولا يزداد بها صاحبها إلا غِلاً وصدودا وصَغارا.
في الغالب ما تطلع وتمنّى شخص شيئا محددا، إلا أصابه إذا أخذ بأسباب الإصابة ( {فإذا عزمت فتوكل على الله} ) [سورة آل عمران] .
تقوى المنى بالجدية والواقعية والحريّة والدعم ومجالسة الطامحين والناجحين{فلينظر أحدكم من يخالل}.
والأماني المُرجاة خير من الأماني الفارغة والزائفة والمبالغ فيها، فتلك تحمد، وهذه تذم وتُستغرب! {يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} [سورة الفرقان] .
عدم تحقق بعض الأماني الصغيرة في حياتك لا يحملك على الترك والقعود، بل تعلم من أخطائك وجدّد الوسائل وغير النشاط .
لكي تدرك الأماني كن معتدلا، واشحذ عصا الجد، وانطلق ولا تلتفت للوراء، وتوكل على الحي الْقَيُّوم! {وما بكم من نعمة فمن الله} [سورة النحل] .
وإياك ونبزات الخصوم، أو تحطيمات الحساد ، أو تفاهات العوام، أن تفكر فيها فتصدك عن سواء السبيل، فبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، والله الموفق.
- التصنيف: