كلمات في وداع أخي د. ناصر بن محمد الماجد

منذ 2018-10-12

وقد صحبته خلال هذه السنوات العشرين في السفر والحضر، وعملت معه في مشروعات ولجان كثيرة، فكان رحمه الله دمث الأخلاق، محباً للعلم وأهله، حافظاً للقرآن، خطيباً لجامع عبدالله بن مسعود بالغدير منذ أكثر من عشرين عاماً تقريباً

كلمات في وداع أخي د. ناصر بن محمد الماجد
كتبها عبدالرحمن بن معاضة الشهري 
بعد فراغي من دراسة السنة التمهيدية لمرحلة الماجستير عام 1415-1416هـ  في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، انصرفت للبحث عن موضوع مناسب للبحث وحرصت على اختيار ثلاثة موضوعات مناسبة حتى أضمن قبول أحدها عند سفري للرياض من أبها والتقديم على القسم، لعلمي بصعوبة قبول الموضوعات في مراحل الدراسات العليا، فأعددت خططاً متكاملة لثلاثة موضوعات أولها بعنوان(عادات أهل الجاهلية في القرآن الكريم:دراسة موضوعية)، وثانيها (جهود ابن الأنباري في القرآن وعلومه: جمعاً ودراسة)، وثالثها (جهود أحمد بن فارس الرازي في القرآن وعلومه: جمعاً ودراسة)، وذهبت بها لقسم القرآن وعلومه، وكان وكيل القسم حينها أستاذي وشيخي الجليل أ.د.محمد بن عبدالرحمن الشايع حفظه الله ورضي عنه، فاستقبلني ورحب بي، وأخبرته برغبتي في تقديم موضوع للرسالة، فسعد بذلك وقال: هات ما عندك. فأعطيته خطة الموضوع الأول عن عادات أهل الجاهلية في القرآن، فقال: لقد سجله أحد المعيدين في القسم منذ أسبوعين، فهل تأذن أن أعطيه خطتك ليستفيد منها وقد تمت الموافقة على موضوعه، فقلت: ومن هو الباحث؟ قال : معيد اسمه ناصر بن محمد بن عبدالله الماجد. فقلت: لا مانع، وكانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها اسم أخي ناصر الماجد.
ثم عرضت الموضوع الثاني فأخبرني بتقديم أحد الباحثين له أيضاً واعتذار القسم بأنه سبق بحثه في الجامعة الإسلامية حينها، فقدمت الثالث فتم قبوله وكتبت فيه رسالتي للماجستير.
ومرت الأيام وقابلت د.ناصر الماجد في لقاءات عابرة في القسم وخارجه، وفي عام 1420 – 1421هـ فتحت الدراسة لمرحلة الدكتوراه وفق النظام الجديد في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعد توقف لسنوات، فتقدمت للدراسة في تلك السنة، وكان أخي د. ناصر الماجد أحد زملائي في تلك الدفعة المباركة، وتوثقت العلاقات بيننا منذ ذلك اليوم حتى وفاته رحمه الله صباح السبت 19 محرم 1440هـ، وقد توفي وهو برتبة أستاذ مشارك في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بقسم القرآن وعلومه.
وقد صحبته خلال هذه السنوات العشرين في السفر والحضر، وعملت معه في مشروعات ولجان كثيرة، فكان رحمه الله دمث الأخلاق، محباً للعلم وأهله، حافظاً للقرآن، خطيباً لجامع عبدالله بن مسعود بالغدير منذ أكثر من عشرين عاماً تقريباً، وأظنه كان إماماً قبل ذلك في مساجد أخرى، وكان حريصاً على إمامة المسجد لما فيها من تعليم الخير، والمحافظة على حفظ القرآن من التفلت، والقيام بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان غيوراً على أمته ودينه، تجد ذلك في خطبه وفي حديثه ومجالسه، وبقي رحمه الله وفياً للمنبر والمحراب حتى آخر لحظات حياته، فقد خطب الجمعة يوم 18 محرم، وصلى بالناس العشاء ليلة السبت، وفي صباح السبت فاضت روحه الطاهرة، وفجعنا بنبأ وفاته فجيعة عظيمة.
وكان رحمه الله زاهداً في الظهور والإعلام، وقد طلبت منه مراراً المشاركة معي في بعض الحلقات الإعلامية عن القرآن وعلومه فيتردد كثيراً، وبصعوبة بالغة أقنعته بمشاركات محدودة في بعض البرامج في التفسير، ولا تزال تلك الحلقات القليلة متاحة على الانترنت شاهدة له إن شاء الله.
وقد كان أخي د. ناصر الماجد راسخاً في العلم، محباً لطلابه، له دروس في التفسير في مسجده، وله مشاركات في بعض الدورات العلمية في القرآن وعلومه، وله أسلوب سهل في التعليم، فيه تؤدة أهل العلم، وحسن بيانهم، فصيح اللسان، ظاهر البيان رحمه الله، وخطبه من الخطب المؤثرة المنتقاة، وله جمهوره المحب لخطبه يأتيها من مكان بعيد.
وهو من أسرة نبيلة من أهل ثادق وهي مدينة تقع شمال الرياض، فوالده الشيخ محمد بن عبدالله الماجد رجل فاضل من أهل الفضل، وهو معدود في رجال الأعمال رحمه الله، وقد قابلته في لقاءات محدودة في بعض المناسبات الاجتماعية التي دعيت لها، وقد توفي رحمه الله منذ ثلاث سنوات تقريباً، وأبناؤه من النبلاء الفضلاء من حملة الدرجات العلمية العالية ويعملون في جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أعرف منهم د. عبدالله والشيخ عبدالعزيز           و د. ماجد و د. خالد و د.فهد، وهم من حفاظ القرآن وأئمة المساجد والخطباء المتميزين، وأسرة الماجد من الأسر الكبيرة المليئة بالعلماء والفضلاء على امتداد الوطن أسأل الله أن يبارك فيهم جميعاً.
ومنذ بدأ العمل في ملتقى أهل التفسير عام 1423هـ عرضت عليه المشاركة في الإشراف على الملتقى العلمي مع مجموعة من الزملاء في دفعة الدكتوراه وهم أخي د .محمد عبدالله جابر القحطاني الأستاذ بجامعة الملك خالد وأخي أ.د. أحمد البريدي الأستاذ بجامعة القصيم فوافق، وتطور العمل بعد ذلك في الملتقى بتأسيس مركز تفسير للدراسات القرآنية فكان أخي د. ناصر الماجد رحمه الله أحد المؤسسين العاملين في المركز بكل صدق وإخلاص ونصح وبذل، وبعد إنشاء أكاديمية تفسير بسنتين تقريباً طلبت منه تولي عمادة الأكاديمية وتطويرها فوافق رحمه الله وبذل جهودا كبيرة في الارتقاء بالأكاديمية حتى أصبحت نموذجاً يحتذى في الجودة والتميز في الدراسات القرآنية عن بعد، وبقي على عمله في الأكاديمية حتى وفاته لا يفتر عن البذل للقرآن وخدمته من وقته وجهده وماله ونصحه وفكره وخبراته رحمه الله رحمة واسعة، وجعل ما قدمه نوراً له في قبره وآخرته، وأن يرفعه بالقرآن في الآخرة كما رفعه في الدنيا، فما عرفته إلا باذلاً مبادراً شهماً كريماً.
وعندما عقدنا المؤتمر الدولي الثاني لتطوير الدراسات القرآنية عام 1436هـ طلب مني أن يستضيف ضيوف المؤتمر - وكانوا فوق المئة من مختلف دول العالم- في منزله، فرحبت بذلك، ففرح كثيراً، وأكرمنا غاية الإكرام، وسعد ضيوف المؤتمر بذلك كثيراً، وكانت ليلة من أجمل الليالي.
وأما العمل الخيري عموماً فقد كان مشاركاً فيه بسهم وافر، فقد عمل في العمل الخيري والدعوي والإغاثي وله مشروعات عظيمة مع عدد من المؤسسات وأهل الخير في تأسيس مراكز إسلامية، وبناء مساجد كثيرة ومعاهد تعليمية أعرفها منه معرفة عامة ولا أعرف تفاصيلها، فقد كان قليل الحديث عن أعماله الخيرية، ولم أكن أحب أن أسأله عن خصوصياته في العمل الخيري، وهذا من إخلاصه وصدقه رحمه الله.
وعلى الرغم من ابتعاد أخي الحبيب د. ناصر الماجد عن الأضواء، وعدم مشاركته في وسائل التواصل إلا أنني لمست بعد وفاته كيف أن الله رفع ذكره، وانتشر خبر وفاته وبلغ الآفاق، ثم وجدت الدعاء له، والثناء عليه من الجميع، وبادر كثيرون ممن يعرفونه وممن لا يعرفونه للتصدق عنه، والتبرع في عدد من الأوقاف باسمه، وراسلني بعضهم أنه اعتمر عمرة عنه، وغير ذلك مما لا يزال زملاؤه في مرحلة الدكتوراه، وزملاؤه في قسم القرآن وعلومه يخططون لعمله من أجله من بناء لمراكز إسلامية في الخارج، وتأسيس بعض المعاهد التعليمية باسمه، وقد بادر زملاؤه في مركز تفسير بحفر عدد من الآبار باسمه، وطباعة رسالتيه للماجستير والدكتوراه وبقية بحوثه، والبدء في نشر تسجيل خاص له للقرآن الكريم كاملاً كان سجله في المركز، وهذا إن شاء الله من عاجل بشرى أخي د. ناصر الماجد في الدنيا، وإني لأرجو الله أن يرفع قدره في الآخرة ، وأن يحسن مكافأته على بذله وصدقه وعمله لله، فإن الله أكرم الأكرمين.
لقد ترك رحيل أخي د. ناصر الماجد فراغاً كبيراً في نفسي، حيث كان يكفيني مؤنة أعمال كثيرة عظيمة في أكاديمية تفسير ومركز تفسير، وكان صاحب عقل راجح، ورأي سديد، وكنت أشاوره كثيراً، فاللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، وارفع مقام أخي وحبيبي د. ناصر في عليين يا رب العالمين، فما أحسبه كان يعمل كل هذه الأعمال إلا ابتغاء وجهك، وخدمة للقرآن الكريم، ومحبة صادقة لدينك وأوليائك الصالحين، وطلاب العلم في كل مكان، وكان يستمتع بذلك كثيراً، ويفرح للنجاحات التي تتحقق في المشروعات فرحاً عظيماً.
 أحسن الله عزائي وعزاء أم ناصر الماجد وعزاء أبنائه فارس وإخوانه وأهله وإخوانه ومحبيه وطلابه فيه، وجبر قلوبنا بفقده، وأحسن خلافته في أهله وأسرته، ورفع درجاته، وتقبله في الصالحين المصلحين، وبوأه منازل الشهداء في جنات النعيم، ونشهد الله على حبه فيه، ولوعتنا بفقده، ونحتسبه عند الله مع العلماء الصادقين، فقد فقدت المبادئُ أحد المدافعين الصادقين عنها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الرياض في 22 محرم 1440هـ .

عبد الرحمن بن معاضة الشهري

الشيخ عبد الرحمن بن معاضة الشهري المدير العام لمركز تفسير للدراسات القرآنية https://tafsir.net/ دكتوراه في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بالرياض عام 1425هـ

  • 26
  • 0
  • 13,645

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً