القدس الأرض المباركة

منذ 2018-10-13

أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرِّحال لا تُشَدُّ إلا إلى ثلاثة مساجد، منها المسجد الأقصى.

 

إنَّ الحديث عن المسجد الأقصى والقدس ومكانتها في الإسلام، حديثٌ ذو شجون، وإنه ليبعث في النفوس الأمل، ويشحَذ الهِمَم؛ لتحرير هذه الأرض المباركة من دَنَس اليهود المغتصبين.
إن القدس يعني الطُّهر والبركة، فلقد بارك ربنا سبحانه في هذه البقعة من الأرض، وشرَّفها وفضَّلها على غيرها من الأرض، خلا مكة والمدينة.
وسُمِّي المسجد الأقصى بذلك لبُعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة، والله أعلم.
ومن فضائل مدينة القدس والمسجد الأقصى:
1 - القدس أرض مباركة ومقدسة:
قال الله تعالى: { {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} } [الإسراء: 1].
وقال سبحانه: { {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} } [الأنبياء: 81]، قال العلماء: الأرض هي بيت المقدس.
وقال الله تعالى: { {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} } [الأعراف: 137].
وقال سبحانه: { {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} } [الأنبياء: 71].
وقال سبحانه: { {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} } [سبإ: 18]، قيل: القرى المبارك فيها قرى بيت المقدس، وقيل: الأرض في الآيات الثلاث أرض الشام، والقدس من الشام.
وقال موسى عليه السلام لقومه: { {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} } [المائدة: 21]، والأرض هنا بيت المقدس، سمَّاها مقدَّسة؛ لأنها طهرت من الشرك، وجُعلت مسكنًا للأنبياء والمؤمنين.
2 - المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه عُرج به إلى السماء:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «أتيت بالبُراق، وهو دابة أبيضُ طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافرَه عند منتهى طرفه))، قال: ((فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس))، قال: ((فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء» )).
قال: (( «ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خَمر، وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترتَ الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء» )) [1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياءَ من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربةً ما كربت مثله قط))، قال: ((فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلِّي، فإذا رجل ضرب جعد؛ كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلِّم عليه، فالتفتُ إليه، فبدأني بالسلام» )) [2].
ولم يكن اختيار المسجد الأقصى مسرًى لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعتباطيًّا، فما كان ذلك إلا لعظيم مكانته وشرفه وبركته.
3 - المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى:
كانت القبلة إلى المسجد الأقصى مدة ستة أو سبعة عشر شهرًا قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة بيت الله الحرام.
قال الله تعالى: { {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} } [البقرة: 143].
عن البراء بن عازب رضي الله عنه، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى - أو صلاها - صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} } [البقرة: 143] " [3].
4 - المسجد الأقصى ثاني مسجد وُضِع في الأرض:
هو ثاني المساجد في الأرض بعد المسجد الحرام؛ قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه، قال: «قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام))، قال: قلتُ: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنةً، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإنَّ الفضل فيه» )) [4].
وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنَّ آدم عليه السلام كان هو الذي وضع أساس المسجد الحرام والأقصى، وأن بناء إبراهيم عليه السلام للمسجد الحرام، وبناء سليمان عليه السلام للمسجد الأقصى كان بناءَ تجديد لا تأسيس، وإلا فبين إبراهيم وسليمان عليهما السلام ألفُ عام فيما يقولون، والله أعلم.
5 - المسجد الأقصى أحد ثلاثة مساجد إليها تُشَد الرحال [5]:
أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرِّحال لا تُشَدُّ إلا إلى ثلاثة مساجد، منها المسجد الأقصى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» )) [6].
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لا تشُدُّوا الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» )) [7].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( «(لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء، أو مسجد بيت المقدس» ))؛ شك أيهما [8].
6 - الصلاة في المسجد الأقصى لها ثواب عظيم:
عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «إن سليمان بن داود عليه السلام سأل الله ثلاثًا، أعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون له الثالثة: فسأله حكمًا يصادف حكمه، فأعطاه الله إياه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه» )) [9].
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شَطَنِ فرسه من الأرض؛ حيث يرى منه بيت المقدس، خيرٌ له من الدنيا جميعًا))، أو قال: ((خير من الدنيا وما فيها)) » [10].
وفي رواية [11]: (( «ولنعم المصلى، هي أرض المحشر والمنشر» )).
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (( «فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» )) [12].
وعن أبي هريرة أو عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «صلاة في مسجدي خيرٌ مِن ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الأقصى» )) [13].
وعن عبدالله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم: أ «نه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فقال: ((أين تريد؟))، قال: أردت يا رسول الله ها هنا - وأومأ بيده إلى حيث بيت المقدس - قال: ((ما يخرجك إليه، أتجارة؟))، قال: قلت: لا، ولكن أردت الصلاة فيه، قال: ((فالصلاة ها هنا))، وأومأ إلى مكة بيده، ((خير من ألف صلاة))، وأومأ بيده إلى الشام» [14].
قلت: قد اختلفت الأخبار بفضل الصلاة في المسجد الأقصى على ما سواه من المساجد عدا الحرمين، فورد أنها تعدل ألف صلاة، ولا يصح به سند، وورد أنها تعدل خمسمائة صلاة، ولا يصح به سند، وأصح شيء حديث أبي ذر: (( «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه))؛ يعني: الأقصى، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» )) [15]، ومعنى هذا أن الصلاة في المسجد الأقصى أفضل من مائتين وخمسين صلاةً فيما سواه، إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي، والله أعلم.
7 - دعا موسى عليه السلام ربه أن يدنيه من القدس عند موته:
كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة وبيت المقدس - أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " «أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكَّه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطَّت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر"، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلو كنت ثَمَّ لأريتُكم قبره، إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر» )) [16].
قال النووي: سؤال موسى عليه السلام الإدناء من الأرض المقدسة، فلشرفها وفضيلة
من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم.
8 - القدس أرض كثير من الأنبياء:
قال الله سبحانه: { {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} } [الأنبياء: 71]؛ يعني إبراهيم ولوطًا عليهما السلام.
وقال سبحانه: { {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} } [الأنبياء: 81]، قال العلماء: الأرض هي بيت المقدس.
وحول المسجد الأقصى بُعِث أكثرُ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إنها فلسطين أرض الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، ولوط وداود وسليمان وصالح، وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وغيرهم من أنبياء الله عليهم السلام.
9 - وصف الله تعالى القدس بأرض ذات قرار ومعين:
قال الله تعالى: { {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} } [المؤمنون: 50]، قيل: الربوة: بيت المقدس، وقيل: دمشق، وقيل: الرملة، ورجَّح ابن كثير أنَّها بيت المقدس.
قال العلماء: والربوة: المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات، ? ذَاتِ قَرَارٍ} [المؤمنون: 50] يقول: ذاتُ خِصْبٍ ? وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] يعني: ماءً ظاهرًا، وقِيل: يعني: جاريًا.
10 - القدس أرض المحشر والمنشر:
{ {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} } [ق: 41]، عن قتادةَ، عن كعبِ الأحبارِ: مَلَكٌ قائمٌ على صخرةِ بيتِ المَقدسِ يُنادِي: أيَّتُها العِظامُ الباليَةُ، والأوصَالُ المُتقطِّعة؛ إنَّ الله يأمرُكُنَّ أنْ تجتمِعْنَ لفصلِ القضاءِ [17].
وسبق في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (( «وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، هِيَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ» )).
11 - عصم الله المسجد الأقصى من دخول الدجال:
عن مجاهد رحمه الله قال: كنا ست سنين علينا جنادة بن أبي أمية، فقام فخطبنا، فقال: أتينا رجلًا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلنا عليه فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدثنا ما سمعت من الناس، فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: ((أنذرتكم المسيح وهو ممسوح العين - قال: أحسبه قال اليسرى - يسير معه جبال الخبز وأنهار الماء، علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور، ومهما كان من ذلك، فاعلموا أن الله ليس بأعور، قال ابن عون: وأحسَبه قد قال: يُسلط على رجل فيَقتله، ثم يُحييه، ولا يُسلط على غيره)) [18].
12 - فضائل فيها نظر:
قال الله تعالى: { {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} } [التين: 1]، قِيلَ: التِّين: مسجد دمشق، والزَّيتون: بيت المَقدس، قلت: والأصحُّ أنَّه التِّين الذي يؤكَلُ، والزيتون الذي يُعصَرُ منه الزيت؛ قال الطبري رحمه الله: "لأنَّ ذلك هو المعروفُ عند العربِ".
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم مَن خالفهم، إلا ما أصابهم مِن لأَواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» )) [19].
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «من أهلَّ بحجة أو عُمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة» )) [20].
وعن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «ستكون هجرة بعد هجرة، فخيارُ أهل الأرض ألزمُهم مُهاجرَ إبراهيم، ويبقى في الأرض شِرارُ أهلها، تَلفِظهم أرضوهم، تَقذَرُهم نفسُ الله، وتَحشرهم النار مع القردة والخنازير» )) [21].
عن أبي عمران عن ذي الأصابع الخزاعي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: (( «عليك ببيت المقدس؛ فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويَروحون» )) [22].
مكانة القدس عند اليهود
يطلق اليهود على القدس اسم "أورشاليم"، ولها قدسية ومكانة عظيمة عندهم؛ فيذكرون أنَّه بعدما استولى عليها داود عليه السلام، نقل إليها تابوت العهد، ثم بنى سليمان فيها الهيكل، ويُطلقون عليها اسم «صِهْيون» في الموروث الديني، أما الشعب فهو "بنت صهيون"، وهي تضم أيضًا جبل صِهيون، وقبر داود، وحائط المبكى - هكذا يقولون - وكل هذه مقدسات عندهم.
ويذكرها اليهود في صلواتهم، وخاصة في الاحتفال بعيد الفصح؛ حيث يرددون: "نلتقي في العام القادم في أورشليم"، وهي المدينة التي كانوا يحجون إليها ثلاث مرات في العام.
وقد أحاطت كتب اليهود مدينة القدس بكثير من القوانين والأساطير، ووصفوها وأهلها بأعظم أوصاف المديح، فهي على سبيل المثال: "سُرَّة العالم، ولا يضاهيها في حُسنها مدينة أخرى"، ويذكرون أنَّ الإله خلق أورشليم عند خلقه العالم، وأقام خيمة الاجتماع فيها، وصلَّى متمنيًا ألا يعصيه أبناؤه وحبيبته؛ أي: أورشليم.
مكانة القدس عند النصارى
ظلت للقدس لبعض الوقت مكانتها الخاصة في الوِجدان المسيحي، فقد كانت فلسطين تُعَدُّ الوطن المقدَّس الذي ورَّثه المسيح لأبنائه المسيحيين، وكانت القدس تُوصَف بأنها "مدينة العهد الجديد المقدَّسة".
ولم تتضاءل أهمية هذه المدينة - مدينةً مقدَّسةً - إلا بعد عام 590م، حين أصبح عرش البابا جريجوري مركز السلطة المسيحية، وأصبحت لروما الحظوة على القدس، وأصبح أُسْقُفُّ القدس يحتل المرتبة الخامسة في السلسلة الهرمية لهيئة الكهنوت الكاثوليكية، ومع ذلك بقيت فلسطين الأرض المقدَّسة تتغلغل في حياة وخيال مسيحيي العصور الوسطى، وكانت الرحلة إلى الأرض المقدَّسة مطمحَ كلِّ مسيحي.
ولا تزال للقدس مكانتُها في الوِجدان المسيحي، رغم تَراجُع أهمية الحج على الأقل بالنسبة إلى المسيحيين الغربيين، ولكنْ للكنيسة القبطية موقف خاص من القضية، فالحج لا يزال من الشعائر المهمة بالنسبة إلى الأقباط، ومع هذا أصدر البابا قرارًا بتحريم أداء هذه الشعيرة طالما أن القدس تحت هيمنة الدولة الصهيونية، وأهم الآثار المسيحية في القدس كنيسة القيامة التي تضم قبر السيد المسيح، والكنائس المقامة على جوانب طريق الآلام.
[1] أخرجه مسلم (162).
[2] أخرجه مسلم (172).
[3] أخرجه البخاري 4486)، ومسلم (525).
[4] أخرجه البخاري (3366)، ومسلم (520).
[5] والقول بأنَّ المسجدَ الأقصى ثالثُ الحرمين كلامٌ لا يصحُّ من حيث الاصطلاح الشرعي؛ لأنَّ الحرمَ ما يحرُم صيدُه وشجرُه، وأمَّا بيتُ المقدسِ فلا يحرم صيدُه ولا شجرُه كما هو الحال في الحرمين الشريفين مكة والمدينة.
[6] أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397).
[7] أخرجه مسلم (827).
[8] سنده صحيح: أخرجه مالك في "الموطأ" (16)، والحميدي (974)، وأحمد (6/ 7).
[9] سنده صحيح: أخرجه أحمد (2/ 176) مطولا، والنسائي (693)، وابن حبان (1633)، والحاكم (2/ 434).
[10] سنده حسن: أخرجه الحاكم (4/ 509)، والطبراني في "الأوسط" (6983)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3849)، "شَطَن فَرَسه": حبل فرسِه.
[11] في سنده مقال: أخرجه البزار (3965)، والطبراني في "الشاميين" (2714)، وفي سنده سعيد بن بشير.
[12] سنده ضعيف: أخرجه البزار (4142)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3845)، وحسن إسناده، لكن في سنده سعيد بن بشير أكثرهم يضعفه.
[13] معلول: أخرجه أحمد (2/ 278)، والصحيح ما أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394) بلفظ: ((إلَّا المسجد الحَرام)).
[14] معلول: أخرجه أحمد (5/ 457)، والحاكم (3/ 504).
[15] أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394).
[16] أخرجه البخاري (1339)، ومسلم (2372).
[17] "تفسير الطبري" (21/ 475).
[18] سنده صحيح: أخرجه أحمد (5/ 364)، وابن أبي شيبة (15/ 148).
[19] في سنده مقال: أخرجه أحمد (5/ 269)، والطبراني في "الشاميين" (860)، وفي سنده مقال بهذا اللفظ، وصححه بعض العلماء، فالله أعلم.
[20] سنده ضعيف: أخرجه أحمد (6/ 299)، وأبو داود (1741)، وابن ماجه (3002)، وفيه أم حكيم ويحيى بن أبي سفيان مجهولا الحال.
[21] سنده ضعيف: أخرجه أحمد (2/ 198)، وأبو داود (2482)، وفيه شهر بن حَوْشب ضعيف.
[22] سنده صحيح: أخرجه أحمد (4/ 67).

أبو حاتم سعيد القاضي

طالب علم وباحث ماجستير في الشريعة الإسلامية دار العلوم - جامعة القاهرة

  • 4
  • 8
  • 33,577

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً