مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - ويوم يعرض الذين كفروا على النار
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} :
مشهد المصير المحتوم لكل من استكبر وعاند وتباعد وعادى الله وأولياءه واتبع هواه وكان أمره فرطاً .
ها هو الجزاء ماثل أمام أعينهم , وقد عاينوه على الحقيقة وعلموا يقينا مغبة ماكانوا عليه من الضلال واعترفوا بكفرهم واستكبارهم وإعراضهم عن الله وكلماته وصراطه المستقيم وقيل لهم ذوقوا العذاب الأليم بما كنتم تكفرون.
أما أنت يا محمد فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وليصبر أتباعك كما صبر من قبلكم من المرسلين والمؤمنين معهم ولا تتعجل قيام الساعة فإنما الدنيا بلاغ سرعان ما تنتهي لتبلغ الدار الآخرة , وكأنما عاش فيها من عاش ساعة من نهار لا أكثر , وسيجزي الله بعدها المؤمن بإيمانه وأهل الكفر والفسوق بأعمالهم.
قال تعالى :
{ { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } } [الأحقاف 34-35]
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى عن حال الكفار الفظيعة عند عرضهم على النار التي كانوا يكذبون بها وأنهم يوبخون ويقال لهم: { أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ } فقد حضرتموه وشاهدتموه عيانا؟ { {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} } فاعترفوا بذنبهم وتبين كذبهم { {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} } أي: عذابا لازما دائما كما كان كفركم صفة لازمة.
ثم أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم.
فامتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله حتى رماه المعادون له عن قوس واحدة، وقاموا جميعا بصده عن الدعوة إلى الله وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة، وهو صلى الله عليه وسلم لم يزل صادعا بأمر الله مقيما على جهاد أعداء الله صابرا على ما يناله من الأذى، حتى مكن الله له في الأرض وأظهر دينه على سائر الأديان وأمته على الأمم، فصلى الله عليه وسلم تسليما.
وقوله: { {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } } أي: لهؤلاء المكذبين المستعجلين للعذاب فإن هذا من جهلهم وحمقهم فلا يستخفنك بجهلهم ولا يحملك ما ترى من استعجالهم على أن تدعو الله عليهم بذلك فإن كل ما هو آت قريب، و { {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا } } في الدنيا { {إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} } فلا يحزنك تمتعهم القليل وهم صائرون إلى العذاب الوبيل.
{ {بَلَاغٌ } } أي: هذه الدنيا متاعها وشهوتها ولذاتها بلغة منغصة ودفع وقت حاضر قليل.
أو هذا القرآن العظيم الذي بينا لكم فيه البيان التام بلاغ لكم، وزاد إلى الدار الآخرة، ونعم الزاد والبلغة زاد يوصل إلى دار النعيم ويعصم من العذاب الأليم، فهو أفضل زاد يتزوده الخلائق وأجل نعمة أنعم الله بها عليهم.
{ {فَهَلْ يُهْلَكُ } } بالعقوبات { {إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} } أي: الذين لا خير فيهم وقد خرجوا عن طاعة ربهم ولم يقبلوا الحق الذي جاءتهم به الرسل.
وأعذر الله لهم وأنذرهم فبعد ذلك إذ يستمرون على تكذيبهم وكفرهم نسأل الله العصمة.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: