يوسف والأزمة الاقتصادية!!
انتهاج الادخار في السنابل، والأكل القليل (فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون). وهو ما يسمى بنظرية (التقليل الاستهلاكي). وفي المثل (ما عال من اقتصد)، والاقتصاد نصف المعيشة.
لا تخلو الدول والمجتمعات من أزمات اقتصادية خانقة، تنتهي لانتهاج التقشف، وسن قوانين التدبير وشد الحزام، ابتلاءً من الله، أو بسبب تضخم الفساد وتشوش المسيرة، وويلات الحروب، وعدم استثمار أيام الرخاء المالي،أو كفران النعم، ويبيت الناس في مأزق من جهة فقدان الحلوى السابقة، وضائقة من ذهاب الرفاهية من جهة أخرى ، فيجب علينا الاتعاظ وعدم الركون إلى الدنيا وزينتها وأمنياتها، وأن نعي تقلباتها ودورانها بما نحب ونكره.
(ونبلوكم بالشر والخير فتنة) سورة الأنبياء . وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من الجوع وشر فتنة الفقر، وقرر أن حيازة الدنيا بحذافيرها، تكمن في قوت يوم بهيج.
ومن الأزمات التاريخية المشهورة في جانب الاقتصاد ما حكاه القرآن في قصة يوسف عليه السلام، ورؤيا الملك سنوات الرخاء والعجاف، وكيف أن البلد ، ستمر بضائقة شديدة تتطلب الحذر وحسن التخطيط، ووعَى يوسف عليه السلام الرؤيا، وقد آتاه الله علمها وتفاصيلها، فعبر الصدّيق الأبقار السبع السمان بسنوات الخير والازدهار، والسبع العِجاف بأيام الجدب والجفاف، واتسمت رؤياه بالآتي:
١) مصارحة المجتمع والملك بالخطر القادم والاعتراف بالمشكلة (قال تزرعون سبع سنين دأبا). وفائدة ذلك تحمل المسؤولية والحفاظ على الوحدة والاجتماع وتخفيف الاستقرار النفسي.
٢) المشاركة والمبادرة في حل الأزمة، وعدم الفرار أو الانزواء (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) سورة يوسف.
٣) الأمر بالزراعة المتوالية وترك الكلل والتعب (تزرعون سبع سنين دأبا). والدأب: استمرار الشيء على حالة واحدة.
وفي العمل المتواصل جد وإنتاج وهمم مشتعلة، وعزائم متقدة.
٤) أن أوقات الشدائد لا تحتمل مسالك النوم والتراخي والهوان .
٥) انتهاج الادخار في السنابل، والأكل القليل (فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون). وهو ما يسمى بنظرية (التقليل الاستهلاكي). وفي المثل (ما عال من اقتصد)، والاقتصاد نصف المعيشة.
٦) الاحتياطي التحصيني وقت السبع العجاف المجحفة (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تُحصنون) فلن يجدي ساعات الجدب إلا ما أحصنتم من البذور والزررع.
٧) استعمال (واو الجمع) ( تزرعون ) ( فذروه) ( تحصنون) في أكثر مخاطباته، يوحي بتحميله كافة المجتمع مسؤلية المجاعة العامة، وضرورة التيقظ والتشاركية الفاعلة.
٨) استثمار مواسم الرخاء والخير (عام فيه يغاث الناس وفيه يَعصِرون).
٩) تبشيرهم وتأمل بصيص الفرج ولو في أزمات القحط :( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث).
١٠) تثبيت منهج التفاؤل في إدارة الأزمة وهو منهج أنبيائي نبيل، يحمل الناس على الانشراح والصبر وحسن العمل (ويُعجبني الفأل) كما في الصحيحين.
بخلاف المسؤول المرجف المقنّط، وشتان بين واعٍ مضّاء، وآخر خمْلٍ عَياياء!
١١) مبادرة أهل المواهب والتمكن في دفع البليات (إني حفيظ عليم) وضرورة استثمار القدرات الذاتية في الحل والمعالجة قيل: حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها، وقيل : حفيظ لما استودعتني، عليم بما وليتني.
وقيل: إني حفيظ لما وليت عليم بأمره وقيل: (حفيظ ) أي: خازن أمين، (عليم) ذو علم وبصر بما يتولاه. ونظيرها (إن خير من استأجرت القوي الأمين) سورة القصص. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب، فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة كما قال تعالى: إن خير من استأجرت القوي الأمين) والقوة في كل ولاية بحسبها).
١٢) اتخاذ الأكفاء عضدا ونصيرا في الملمات، وهو شكل من أشكال النزاهة والتباعد من إدارة المفسدين ، ومن ثمراته حل المشكلات وضمان جوهر النهضة وتقدمها.
١٣) توخي العدالة الإدارية مما يسهم في إنجاح الخطة الإصلاحية، وهو ما تومئ اليه مفردتا (الحفظ والعلم)، فيقسط بين الناس ولا يبخسهم أشياءهم ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (اللهم من ولي شيئا من أمر امتي فرفق بهم فارفق به، ومن ولي شيئا من أمر امتي فشق عليهم، فاشقق عليه).
ومضة/ الاعتماد على الله وحسن التخطيط ، والعدالة في القسمة مقدمات على طريق الإصلاح!.
- التصنيف: