لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
أبو الهيثم محمد درويش
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا
- التصنيفات: التفسير -
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} :
يثبت تعالى قلوب عباده المؤمنين ويطمئنهم بإبلاغهم رضاه عنهم وعن مبايعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم وثباتهم على نصرته ونصرة دينه في موقف عصيب عندما بلغهم مقتل عثمان, ثم ثباتهم على المبايعة بالنصرة والقتال ثم تحملهم للشروط المجحفة التي اشترطها الكفار في صلح الحديبية وبشرهم ربهم سبحانه بأن هذا الضيم لن يدوم وبأن نصر الله قادم وبشرهم بغنائم خيبر وما بعدها من غنائم وبشريات لكل من ثبت ونصر دين الله إلى يوم القيامة.
قال تعالى:
{ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } } [ الفتح 18-21]
قال السعدي في تفسيره:
يخبر تعالى بفضله ورحمته، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها "بيعة الرضوان" لرضا الله عن المؤمنين فيها، ويقال لها "بيعة أهل الشجرة" - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد، وإنما جاء زائرا هذا البيت، معظما له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق، أن عثمان قتله المشركون، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معه من المؤمنين، وكانوا نحوا من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفروا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال، التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات، { {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} } من الإيمان، { {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } } شكرا لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدى، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم، { {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} } وهو: فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية، فاختصوا بخيبر وغنائمها، جزاءا لهم، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته.
{ {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } } أي: له العزة والقدرة، التي قهر بها الأشياء، فلو شاء لانتصر من الكفار في كل وقعة تكون بينهم وبين المؤمنين، ولكنه حكيم، يبتلي بعضهم ببعض، ويمتحن المؤمن بالكافر.
{ {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } } وهذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين إلى يوم القيامة، { {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } } أي: غنيمة خيبر أي: فلا تحسبوها وحدها، بل ثم شيء كثير من الغنائم سيتبعها، { {و } } احمدوا الله إذ { {كف أَيْدِي النَّاسِ } } القادرين على قتالكم، الحريصين عليه { عَنْكُمْ } فهي نعمة، وتخفيف عنكم.
{ {وَلِتَكُونَ} } هذه الغنيمة { {آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} } يستدلون بها على خبر الله الصادق، ووعده الحق، وثوابه للمؤمنين، وأن الذي قدرها سيقدر غيرها، { {وَيَهْدِيَكُمْ} } بما يقيض لكم من الأسباب { {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } } من العلم والإيمان والعمل.
{ { وَأُخْرَى} } أي: وعدكم أيضا غنيمة أخرى { {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } } وقت هذا الخطاب، { { قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } } أي: هو قادر عليها، وتحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، فلا بد من وقوع ما وعد به، لكمال اقتدار الله تعالى، ولهذا قال: { { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن