ما يباح من القسوة والغلظة
في حديث شفاعة أسامة في المرأة المخزومية التي سرقت: (( «فكلم فيها أسامة بن زيدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله» )) [متفق عليه]
ما يباح من القسوة والغلظة والفظاظة:
(اللين ورقة القلب هي الأصل في الكلام والتعامل حتى مع المخالفين، كما قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] ولكن قد يعدل عنه إلى غيره حسب ما تقتضيه الحكمة، ومقامات الأحوال) .
قال أبو حامد الغزالي: (قال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في مواضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه؛ وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق) .
وقال الجاحظ: (القساوة مكروهة من كل أحد، إلا من الجند وأصحاب السلاح، والمتولين للحروب؛ فإنَّ ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه) .
وهذه المواطن التي يباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة، تخضع لقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد.
لذا فلا يظننَّ أحد، أنَّه إذا وجدت تلك الأحوال أو بعضها، شرع في استخدام الشدة والقسوة في الدعوة، من غير النظر إلى العواقب والنتائج.. بل يجب مراعاة ما يتوقع حدوثه عند استخدام الشدة والقسوة، فإن تأكد لديه أنَّ لجوءه إلى الشدة سيكون سبب حدوث منكر، أعظم من المنكر الذي أراد إزالته، أو ترك معروف أهم منه، فليس له أن يلجأ إليها آنذاك. والكلام وإن كان عن الدعوة، فإنه عام في جميع الأحوال.
ومن المواطن التي تباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة:
1- في الجهاد:
- جاء في قصة الحديبية حينما قال عروة بن مسعود الثقفي للرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإني والله لأرى وجوهًا، وإني لأرى أوشابًا من الناس خليقًا أن يفرُّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه، فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك)) .
- ((تناول عروة بن مسعودٍ الثقفي لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقفٌ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد -أي لابس سلاح المقاتل من درع ونحوه- قال: فقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك! ما أفظك وأغلظك)) .
2- مجادلة الظالم المتعد من أهل الكتاب:
قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].
(وقوله: { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} . استثناء من الذين يجادلون بالتي هي أحسن، أى: ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. بأن أساءوا إليكم، ولم يستعملوا الأدب في جدالهم، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإغلاظ والتأديب.
وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى في مجادلتهم لأهل الكتاب عموما، ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم) (9) .
3- عند إقامة الحدود:
قال تعالى في حق الزناة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور: 2].
يقول الطبري: (يقول تعالى ذكره: لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة، وهي رقة الرحمة. دِينِ اللَّهِ، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد عليهما على ما ألزمكم به)
وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: (( «والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله» )) [البخاري] .
4- عند ظهور العناد والاستهزاء بالدين.
5- عند بدور مخالفة الشرع لدى من لا يتوقع منه ذلك :
كما في حديث شفاعة أسامة في المرأة المخزومية التي سرقت: (( «فكلم فيها أسامة بن زيدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله» )) [متفق عليه]
- التصنيف:
- المصدر: