يومَ غرِقت مكتبةُ الوالد!!
والتساهل في ذلك قد يفضي للغرق، ولا يجني جان إلا على نفسه، فلم يعد المطر للمتعة في ظل وهاء صرف صحي أو انعدامه! والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
بزَغنا على الدنيا، والكتب في بيتنا كمزاهر منثورة، ورياحين مصفوفة، نلمسها ونقلبها، ونطالعها بحمد الله تعالى ، إذ الوالد حفظه الله، يملك مكتبةً ضخمة، لا يملكها إلا العلماء، وما تحويه، كنوز وجواهر تخرج عالما فذا متفننا،!. أجد فيها أمهات الكتب وعيون كتب السيرة والتفسير والحديث والتاريخ واللغة، وكان قارئا نهما، محبا للعلم والشعر والأدب فتعلمنا منه:
1) محبة الكتب وتوقيرها وشراؤها .
ومِن أبتي فوائدُ أو كتابُ
وشعر ذائقٌ كم يُستطابُ
وآلافُ الدفاتر ليس فيها
سوى العلم المجلجل إذ يُهابُ
2) حفظ الشعر ودرر الفوائد، وكان يسوقنا للمساجلات والنِظار الأدبي، الذي صقل مواهبنا الشعرية، فتحفظنا الشئ العجيب.
3) أخذ الكلمات الإذاعية والمسائل البحثية منها.
والطريف المستظرف هنا، تعرض (كراتين الوالد) والتي أحضرها من الطائف، عام (٩٣) هجريا، للمطر جراء الإقامة في البيوت الشعبية، والتي لا تنهض على مقاومة المطر، فتبتل أعلاها، وكلما ابتلت سخط الوالد و(عنّفنا)، وصاح بحمايتها، فصرنا بدلاً من أن نرمي المبلول الهالك، نصونها، ونجففها، ونحركها لئلا يصل إليها المطر! وقد تضاعفت من أبها وسفراته، وزادت كمياتها.
فيا لله كم تلفت من كتب، وكم أُلقيت من أسفار، وكم ذبلت من علوم.
والسبب بيت شعبي (خَرّ سقفه)، أو نزول الماء من الدرج ، وصغار غير مبالين، ومطر يشغلنا عن كل شي، ونرى فيه متعة النظر والتعرض له ولبرده ونداه.
وهذا في مرحلة (التسعينيات) الهجرية وأوائل الأربعمائة ، ولم تنتشر بعد الحُجر المسلحة.
والمطر ودابة الأرض، ووهاء البيت ، من آفات المكتبات منذ القدم، وثمة علماء تعرضوا لذلك كثيرا! وماتوا (حسرات) على فقدان أنفس ما يملكون.
وبعض الكتب لقوة جِلدها، تتأبى على الذبول،وقد اعتادت الملاقي، ولسان حالها كما قال المتنبي:
والهجرُ أقتلُ لي مما أراقبه
أنا الغريقُ فما خوفي من البللِ
وكان الغرق أياما متعددة، وليس يوما واحدا، يتكرر حسب موسم المطر.
وفي هذا العصر وبرغم تطور الحياة، وسعة البيوت، غير أن الغرق الآن يلامسها وليس للكتب فحسب. بل أحياء تغرق، وبيوت تُغسل، وبضائع تفسد، ومركبات تتهالك.
والسبب: ليس (هوان البيوت)، ولكن فساد مستشر، حال دون شبكات صرف صحي عال! (فضُيعت الأمانة)، وتلوث الضمير، وخيض في مال الله ، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ رجالًا يتخوّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (قوله يتخوضون- بالمعجمتين- في مال الله بغير حق، أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل) .
فرأينا ما حصل في دول عربية، وكيف تعثرت من أمطار بسيطة!! مما يدل على ضعف البنى التحتية في جل المنطقة العربية.
فاعتبروا مما يجري في الاسكندرية وعمّان.
ارفعوا درجة التأهب، شدوا (الأحزمة). خذوا حذركم، كونوا في أعلا درجات الجاهزية.
كارثة إسكندرية وعمّان كانت مزعجة، ومحزنة للغاية
بيوت تدمرت، وأُسر شردت، ومصالح فنيت، وأملاك (تبعثرت)، وكالعادة الفقراء لا بواكي لهم.
وتذكروا الشتاء الماضي وما حصل في مدن كتبوك وبيشة. بل اذكروا كارثتي جدة الأولى والثانية، جعلتنا لا نلوي على شيء.
والسعيد من (وُعظ بغيره)، والعاقل من اتعظ بالأحداث، وحملته النوائب على حسن العمل، والتوقي الدائم.
وإبان كتابة هذا المقال، تتعرض جدة لكارثة ثالثة، ومطر زخار، وسيول داهمة، نسأل الله أن يحميهم، ويخفف عن أهلها.
والسؤال : متى نتعظ، ويستيقظ الضمير في مسؤول فرط، وآخر تساهل، وثالث كابر،؟. ولم يأخذ في ذهنه الاستعداد وحماية طرق الناس، بل حماية الناس أنفسهم، من توالي المهالك.
جهاز الدفاع المدني عليه مسؤلية كبرى، ويحتاج لفرق إدارة الأزمات، ولابد له من فرق تطوعية شبابية متتابعة! تنطلق من المجتمع المدني ومؤسساته.
وقد رأينا سابقا كيف بادر (شباب الوطن) إلى النجدة وامتطاء الغوث، فحموا وأنقذوا وضحوا.
فشكرا لتلكم العزمات، وعاشت طاقات ضحت وصابرت.
والواجب الآن ترقب ما يجري في جدة ومحافظات أخرى، وتوقي الخروج، أو التنزه جهة الوديان والمسيلات المائية. وعند الإحساس بالخطر يصعد للدور العلوي، واتباع إرشادات السلامة.
والتساهل في ذلك قد يفضي للغرق، ولا يجني جان إلا على نفسه، فلم يعد المطر للمتعة في ظل وهاء صرف صحي أو انعدامه! والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
إضاءة (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا بلاء ولا عذاب، ولا هدم أو غرَق).
- التصنيف: