الجهل قرين المعاصي
لما سأل نوح عليه السلام ربَّه أن ينجِّي ابنه الكافر من الغرق في الطوفان، عاتبه الله ووعظه وحذَّره أن يكون من الجاهلين فقال جل وعلا: { {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} }[هُود: 46]
يا نفس توبي
الجهل قرين المعاصي
أنور إبراهيم النبراوي
إن الجهل والانغماس في وحل الجهالة والجاهلية أعظم سبب وأقصر طريق إلى معصية الله، ولهذا كثيرًا ما يذكر الجهل في القرآن ويكون المراد هو نوع من المعاصي.
قال قتادة رحمه الله: "أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما عُصي الله به فهو جهالة". وقال غيره : "كل من عصى الله فهو جاهل".
والمراد إما: عدم العلم بالحق النافع، وإما: عدم العمل بمقتضى ذلك العلم، ولهذا جاء وصفهم في القرآن أنهم { {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} }[النِّسَاء: 17]. أي جهل بمقام الله وقدره، أو جهل بنظر الله ومراقبته، أو جهل بعاقبة المعاصي وإيجابها لسخط الله، فهو جهل يقود إلى العصيان.
من ذلك ما كان من بني إسرائيل مع نبيهم موسى عليه السلام حين أمرهم بذبح البقرة - وهو من أمر الله - فكان قولهم:{ {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} }[البَقَرَة: 67]، فرد عليهم موسى عليه السلام فقال:{ {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} }[البَقَرَة: 67]، ولم يقل أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين أو الساخرين؛ تقريرا منه أن الاستهزاء أو السخرية ضرب من (الجهل).
كذلك الفواحش والمعاصي جميعها من (الجهل)، جاء بيان ذلك من نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز ومن معها من النسوة إلى الفاحشة، فرد عليهن داعيا ربه قائلًا: { {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} }[يُوسُف: 33].
ولما سأل نوح عليه السلام ربَّه أن ينجِّي ابنه الكافر من الغرق في الطوفان، عاتبه الله ووعظه وحذَّره أن يكون من الجاهلين فقال جل وعلا: { {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} }[هُود: 46].
أما العلم فهو بمثابة النور والهدى اللذين يمنعان المرء من اقتراف المحرمات والمنهيات، بل إن العلم باب من أبواب تعظيم الله وتوقيره، ومفتاح لفعل الطاعات.
وكذلك هو شأن نبينا صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله؛ لذا كان أخشاهم لله وأتقاهم، بل وأكثرهم إقبالًا على الله عبادةً وتضرعًا، وتوبةً واستغفارًا.
ولا غرو في ذلك أو غرابة فهو إمام العلماء والحلماء وقدوة العالمين والعارفين.
ومتى عرف العبد ربَّه وتعرَّف على أسمائه وصفاته؛ كأن يستشعر العبد أن الله سميع؛ يسمع ما نطق به العبد من قبيح الكلام ، وأن الله بصير؛ يبصر ما يعمله العبد من سيىء الأفعال، وأنه شهيد على العباد، رقيب حفيظ على أعمالهم وأن ذلك كله في كتاب:{ {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} } [الكهف: 49]، حينها يُرزق العبد الشيء العظيم، والحظ الوافر، من خشية الله ومهابته، قال تعالى:{ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} }[فَاطِر: 28].
وهم العلماء الذين تعرَّفوا على الله فازدادوا له خشية؛ فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وخشية الله توجب للعبد الكفُّ عن المعاصي، والاستعداد للقاء الله.
قال ابن القيم: "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".
والخشية: هي خوف مقرون بعلم.
وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، قال تعالى: { {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} }[البَيّنَة: 8].
***
أنور إبراهيم النبراوي
- التصنيف:
- المصدر: