الهجرة والحريّة والتمكين

منذ 2018-11-18

الهجرة حياة ... فكيف نستفيد منها ؟

 الهجرة حدث تاريخي إسلامي غيّر معادلة الصراع، ونقل المواجهة لموضع آخر وأشكال جديدة. 

 وبالهجرة استقوى صلى الله عليه وسلم على مشركي مكة، وفتح آفاقًا للدعوة، وكوّن جماعة جديدة، وامتلك حماية منيعة..! 

 والهجرة كانت نافذة للحرية المكانية والدعوية ، لأن النهج الإشراكي الوثني، كان مُعتمًا بالحصار والحبس والتضييق..! 

هي هجرةُ الهادي البشير ودرسُها*** بوحٌ من الآمال والأسرارِ 
هي قصةُ النصر المكينِ ورحلةٌ***زخَرت بكل مباهجٍ ومدارِ

 والهجرة مع أتعابها، فتَقَت شمعةً في الأفق، وضوءًا في المسار، ولُمعة في المسيرة ، فانقشعت حُجب الهوان، وانزاحت سُدف الغي والطغيان ..

 ومكنته من التعرف على جماعات مختلفة، تكون رداء وردءًا لجماعته الأولى، وهيأت الجغرافيا والقوة والاقتصاد...! 

 تحرر المصطفى المختار بدنًا وفكرًا وانطلاقا وسلوكا وعلاقات، وصار بإمكانه التواصل مع من شاء من العرب، وكوّن حلفًا جديدًا مع الأنصار الذين احتفوا به وساندوه وناصروه..وحصلت معهم بيعة العقبة الثانية، والتي تعتبر نواة تأسيسية للدولة الفتية، بميثاق الإيمان والنصرة والتعاون غير المنقطع (الدم الدم، والهدم الهدم).

 وقعت الهجرة في ظروف لم يعد هنالك غير المغادرة والارتحال ، فانتقل من دار إلى دار، ومن أناس إلى أناس آخرين، ومن حالة استضعاف، إلى استعلان وقوة..! 

 فنال الحرية التي انطلق بها وتحرك، واستنشق العبير الدعوي ، فخطب وتكلم، وصانه أهل المدينة وعظموه وساندوه ، فلم ينله أذى، أو يمسّه قرح...! 

 فبنى جماعتَه، وأسس دولته، ووضع نظامه، وأرسى وثيقته التاريخية ، وأذن الله له في القتال، فجابه قريشًا في بدر، سنة (٢) من الهجرة، وتصاولوا كراتٍ ومرات، حتى انتهى في (السنة الثامنة)، وفُتحت مكة في مشهد عظيم مهيب...! 

 وبعد الصولات والجولات مكنه الله وهابته العرب، واستعد للروم في تبوك (سنة ٩) من الهجرة، وكتب إلى ملوك الأرض قبلها، يدعوهم إلى الإسلام بكل حزم واقتدار..! 

 وربّى صحابته على مسلك العزة والانتماء ، فضحوا وبذلوا، وساروا على منهاجه، وما بدّلوا طريقه، ولا خالفوا ملته، أو ابتدعوا ابتداعا...! 

 فحملوا دينه بصدق، ونشروا دعوته، وأخلصوا في المسيرة، وتفرقوا في الأمصار ، داعين ومجاهدين، ومحتسبين صابرين، حتى إن نصارى الشام لما رأوهم قالوا:( ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضلَ من هؤلاء ). 

 وانتهت الهجرة للحرية التي سُلبها في مكة، فأينع بها وأثمر، وفي هذا دليل على أن البيئة المحصورة والخانقة، تتأبى على الإصلاح والإثمار ، فتتعين المهاجرة لاستنشاق نسمات السعة والحريّة والبهجة...! 

 ولَم يحل عن ذلك وجود طوائف يهودية وعصابات نفاقية، فلقد تعايش معهم ، ووضع ميثاقًا لحماية المدينة وحذر من الخيانة والاختراق . 

 فأسس المسجد، وآخى بين المهاجري والأنصاري، وقوى اللحمة، وبدأ نشر العلم والتلاوة، حتى رسخ الإيمان في قلوبهم . 

 وأذن الله لهم بالجهاد والدفاع عن أنفسهم وديارهم {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج :39 ]
 وباتت الطائفة المؤمنة المحاصرة والمضيق عليها، قوية مهيبة، تقيم العدل، ويرهبها الناس، ويحسب لها الأعادي ألف حساب. 

 وكانت الفترة المدنية والسنوات العشرية فرصة لنشر قيم الإسلام، وتشريع الأحكام، وبيان سماحة الإسلام، والتفرغ للدعوة لا سيما بعد صلح الحديبية، فصار لا يسمع عاقل بالإسلام إلا دخل فيه، وأعجب بمعالمه ومنائره..! 

 وما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى ربّى جيلًا مباركًا، وغرسًا يانعًا، حمل مشاعل النور، ورسخ أركان العدالة.

وأقام في الدنيا النظام وقبلها*** ما كان فيها منهج ونظامُ

والحمد لله على توفيقه وتيسيره... 

 

د.حمزة بن فايع الفتحي

  • 2
  • 0
  • 11,533

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً